تحدثت بالامس عن عدم وصول العقل العربي حتى الآن إلى القدرة على تكوين معرفة موضوعية مستقلة عن التصنيف والتعميم والأفكار المسبقة . وللتدليل على ذلك ، ضربت مثلا أحسبه واضحا جدا ، عن إصرار العقل العربي على تصور الغرب باعتباره وحدة واحدة لا اختلاف بين أجزائها ومكوناتها . مشكلة العقل العربي ، وهي مشكلة المثقفين قبل أن تكون مشكلة الناس العاديين ، هي عدم القدرة على الفصل بين الذاتي والموضوعي . بمعنى اكثر دقة فإن العقل العربي لا يستطيع النظر إلى الاخر إلا في إطار المقارنة مع الذات ، وبناء على الموقف من الذات يتحدد الموقف من الاخر الذي يمثل النقيض الموضوعي لهذه الذات ، حسب العقل العربي . ما يفوت على معظم المشتغلين بهذه المقارنات ، هو أن المعرفة والمعرفة الموضوعية تحديدا ، تختلف عن الموقف . ذلك ان المواقف تظل شأنا متعلقا بالمبادئ والأفكار أكثر مما هي شأن معرفي صرف . وهذا ما يوقع المثقفين العرب في فخ التصنيف الذي يعني إطلاق الأحكام وليس إعمال الأفهام . القضية دقيقة جدا وتحتاج إلى التحرر من املاءات العقل التقليدي الذي يخوض المجال المعرفي بغرض اثبات وجهات نظر مسبقة وليس بغرض اكتشاف الحقائق الموضوعية . بشكل اكثر وضوحا فإن المثقف العربي في الغالب ، لديه موقف من اثنين حيال الذات والاخر . الأول ينطلق من افتراض الكمال للذات وإلصاق كل المثالب بالآخر ، والثاني ينطلق من افتراض الكمال المطلق للآخر والقصور المطلق للذات . وكلا النظرتين تعكسان مواقف أيديلولوجية غير مبنية على أية معرفة موضوعية . محاولة فهم الغرب او الآخر بشكل عام ، لا تستقيم في ظل اختزال الأمر في إطار المقارنة التي تهدف في النهاية إلى تكريس الأحكام المسبقة . الميل إلى التنزيه أو الإدانة لا يعكسان خللا منهجيا وحسب ، وإنما - وهذا هو الأسوأ - يعكسان وجود عقد نفسية يتداخل فيها الكبرياء المرضي باختلال الهوية بالاحساس بالنقص . وانعكاس مثل هذه العقد على طريقة ومناهج التفكير هو أكبر عقبة في طريق الوصول إلى المعرفة الموضوعية التي يستحيل أن تتقدم الأمم دون ترسيخ المناهج العقلية التي تساعد في الوصول إليها . ليست هناك فروق حقيقية بين الطرفين رغم كل التناقضات الظاهرية في خطابهما .
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain