دأبت حكومات إسرائيل المتعاقبة على تجاهل الإرادة الدولية، وقرارات الشرعية الدولية، والتنصّل من استحقاقات السلام تارة بالقول إنه ليس ثمة مواعيد مقدسة، في إشارة إلى محاولتها للتنصّل من اتفاقياتها مع الفلسطينيين، وتارة بالقول إنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية السلام، في إشارة إلى الانقسام الفلسطيني الذي ظل ملازمًا لمسيرة النضال الفلسطيني منذ ستينيات القرن الماضي حتى الآن، وتارة أخرى من خلال الإعلام المضلل، وكسب التعاطف الدولي من خلال محاولة تبرير مذابحها، وعدوانها المستمر، وانتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان الفلسطيني في أراضيه المحتلة بأنه دفاع عن حق إسرائيل في الوجود شاهرة في تأكيد ذلك الادّعاء سلاح اللاسامية، والهولوكوست. بيد أن أكثر ما تعتمد عليه إسرائيل في خداع العالم، ومحاولة إقناعه بصحة مواقفها مع كل ما تتسم به من عدوانية وعنصرية، وخروج عن الشرعية والقانون الدولي هو تبرير تلك المواقف بالقول إنها انعكاس للإرادة الشعبية، تطبيقًا للقاعدة الذهبية التي ظلت تستغلها إلى أقصى حد بأن الشعب هو مصدر الشرعية، وأن الإرادة الشعبية تعزز المواقف السياسية. لقد ظلت إسرائيل توظف تلك القاعدة منذ الإعلان عن قيامها عام 1948، من خلال ما تدعيه بأنه أحد أبرز مظاهر الديمقراطية التي تجعلها أكثر اقترابًا من الغرب، لا سيما عندما تستخدم الاستفتاءات واستطلاعات الرأي في بلورة سياساتها ومواقفها التي تقوم على أساس العدوان، والاستيطان، والتوسع، والحصار، والاعتقال. وتتضح المفارقة هنا في أن القيادة الإسرائيلية تتنصل من القرارات، والاستحقاقات، والالتزامات الدولية بمنتهى السهولة من خلال القول مثلاً بأنه لا يمكن الوفاء بتلك الاستحقاقات حتى لا ينفرط عقد الائتلاف الحكومي، وهو ما يعكس آلية يلجأ إليها أولئك القادة ليس فقط كمحاولة للتهرب من تلك الاستحقاقات، وإنّما أيضًا، لمحاولة إثبات احترام تلك القيادة للمعارضة، وهو الدرس الذي كان يتوجب على الفصائل الفلسطينية تعلمه منذ بداية النزاع، بأن إرادة الشعب سلاح أساس، وأن لا مصلحة تعلو فوق المصلحة الوطنية، ولا حزب يستحق الولاء لأن الولاء الحقيقي للوطن وللقضية وللقدس.