ربما يبدو المشهد في الساحة العربية من المحيط إلى الخليج ملهمًا لأولئك المولعين برصد منعطفات التحولات الكبرى في التاريخ، فمناطق عدة على الخارطة العربية تبدو وكأنها قيد الجراحة في غرفة عمليات التاريخ، لكن الانشغال بما يدور في غرف جراحات التاريخ فيما يبدو لم يحل دون انخراط العالم العربي كله في عملية صناعة واقع سياسي جديد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولعل اعتراف سوريا بالدولة الفلسطينية قبل يومين فقط، يحمل مغزى على درجة كبيرة من الأهمية، فانشغال دمشق بقضايا الداخل بينما تجتاح مظاهرات شعبية مدنها ومحافظاتها الرئيسة، لم يحل دون انخراطها في شأن عربي على درجة عالية من الأهمية، لتصبح الدولة رقم 118 من بين دول العالم التي تعترف بالدولة الفلسطينية. يأتي هذا فيما تستعد جامعة الدول العربية لحمل ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل حدود الرابع من يونيو 1967 م إلى الأممالمتحدة في سبتمبر المقبل، في رسالة مؤداها أن مطلب الاعتراف «الأممي» بالدولة الفلسطينية ليس مطلب السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وحدهما، وإنما هو مطلب يحظى بإجماع عربي، تتبناه مؤسسة العمل العربي المشترك، ويسعى النظام الإقليمي العربي إلى تأكيده من خلال تمكين فلسطين من الحصول على عضوية كاملة بالأممالمتحدة سوف يكون لها حتما ما بعدها. الحراك الشعبي في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، لم يحل دون بناء إجماع عربي حول مطلب الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، بل إنه ربما ساهم وسيساهم في دفع هذا التحرك العربي، بعدما أصبح الرأي العام العربي قوة ينبغي أخذها دائما في الاعتبار عند كل تحرك سياسي أو دبلوماسي سواء في الملف الفلسطيني أو غيره من الملفات العربية المزمنة. وما نراه الآن من نتائج قد يشير إلى واقع جديد في المنطقة العربية، ينبغي على كافة القوى الدولية أن تضعه في الاعتبار وهي بصدد بناء مواقفها أو رسم سياساتها تجاه قضايا المنطقة. ما يجري في غرفة جراحة التاريخ بالمنطقة العربية لا ينبغي أبدا أن يؤثر سلبًا على سلامة الحقوق الجغرافية والسيادية والسياسية العربية، ففي غرف الجراحة تجري الآن عمليات استئصال القيود التي حالت دون تفعيل التحرك العربي على الساحة الدولية، وزراعة ما يتيح تفعيل استثمار قوة الرأي العام العربي لخدمة القضايا العربية المركزية.