لم يكن مستغربًا أن تكون إسرائيل من أوائل الدول التي أعلنت اعترافها بدولة جنوب السودان ، وأن يجري رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو اتصالاً هاتفيًا برئيس الدولة الوليدة مهنئًا وعارضًا المساعدة ، ومن البديهي أنه اعتراف يختلف كليةً عن اعتراف مصر والسودان بهذه الدولة الإفريقية الجديدة ، باعتبار مصر الشقيقة الأكبر لدول القارة ، إلى جانب الرباط العضوي الذي يشكله النيل الذي يربط الدول الثلاث مصر والسودان وجنوب السودان برابط شرياني أزلي غير قابل للانفصام . لم يكن الاعتراف وعرض المساعدة مستغربًا لأنه من الثابت أن إسرائيل لم يكن لها دور في دعم جنوب السودان في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية ، وإنما انصب الدعم للجيش الشعبي لتحرير السودان منذ تكوينه في العام 1983 ، وهو ما تمثل في العديد من المظاهر شملت الدعم المادي من خلال الأموال والأسلحة والتدريب. بالطبع لا يمكن النظر إلى الغزل الإسرائيلي لدولة جنوب السودان الجديدة بمعزل عن محاولات التغلغل الإسرائيلي في قلب القارة السمراء بدءًا من ستينيات القرن الماضي ، وهو ما اتضح في المفردات التي اختارها نتنياهو في مكالمته الهاتفية لسلفاكير بالقول إن إسرائيل لديها الخبرة وقدمت مساعدات للكثير من الدول الإفريقيَّة في مجالات البنى التحتية والتنمية والزارعة ، فيما أن واقع الحال يؤكد على أن الدور الإسرائيلي في إفريقيا له أهداف أخرى مختلفة ، تتعلق بالهيمنة ، وربط اقتصاد تلك الدول بالاقتصاد الإسرائيلي ، وبناء حاجز يفصل بين الدول العربية الإفريقية وبقية دول القارة ، وأيضًا محاولة ضرب وحدة وادي النيل وزرع الفتنة بين مصر والسودان من جهة ، وبقية دول حوض النيل من جهة ثانية. المفارقة هنا تكمن في أن الموقف الإسرائيلي يحمل تناقضًا مخزيًا بين التأييد والدعم الإسرائيلي لدولة الجنوب التي كانت السودان أول من اعترف بها تنفيذًا لاتفاق نيفاشا الذي التزمت به الخرطوم ، وبين الموقف الإسرائيلي إزاء رفض قيام الدولة الفلسطينية رغم القرارات الدولية والاتفاقيات الثنائية التي جرى توقيعها بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ، وهو ما دفع العديد من المراقبين الإسرائيليين أنفسهم إلى انتقاد حكومتهم بالقول إنها لم تع جيدًا دروس السودان ، وأنه كان أحرى بها أن تفعل الشيء نفسه بعدم وضع العراقيل أمام قيام الدولة الفلسطينية لتكون الدولة التي تحمل العضوية رقم 194 في الأممالمتحدة .