الأوامر الملكية التي صدرت مؤخرًا عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتي حددت مدة دوام العمل بثماني ساعات يوميًا، ولخمسة أيام أسبوعيًا، استحضرت من ذاكرتي أخبارًا طريفة حصلت معي عندما كنت حديث الإقامة في فرنسا، حيث كنت أستقبل في ضيافتي أصحابًا أو أقرباء، وأضع بتصرفهم سيارتي وسائقها؛ ليتولى تجوالهم ومساعدتهم في شراء حاجاتهم. وكان السائق حريصًا تمامًا على القيام بكل ما يطلب منه دون أدنى تذمر أو تململ، إلى أن ينتهي وقت دوامه المحدد بثماني ساعات يوميًا، فيعتذر من ضيوفي ويعود أدراجه إلى منزله طلبًا للراحة واستعدادًا ليوم عمل جديد قد يكون مضنيًا من كثرة التنقل في مدينة صيفها حار رغم قصر فترته، وشتاؤها بارد وقارص. وغالبًا ما كنت أسمع من ضيوفي تذمرًا وعدم رضا لأن السائق تركهم ما ان انتهت فترة عمله اليومية، وكنت منعًا للإحراج أفسر لهم قوانين العمل المعتمدة في فرنسا وكيف أن أي رب عمل لا يستطيع أن يجبر أي شخص على العمل خارج الدوام المحدد لما لذلك من تبعات غير قانونية تعرض صاحبها لعقوبات. وكنت أسمع من ضيوفي نفس الرد ونفس المقارنة حيث كانوا يقولون إن سائقهم في السعودية لا ينام إلا عندما تنتفي الحاجة إليه دون أي اعتبار لساعات الخدمة مهما طالت أو قصرت أو لأيام العمل الأسبوعي سواء كانت خمسة أو ستة أو سبعة. واليوم تراني مغتبطًا بالأوامر الملكية التي حددت فترة دوام العمل لثلاثة أسباب مهمة هي: - السبب الأول تقديري الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي ما ترك شاردة أو واردة إلا وكان له فيها رأي أو أمر أو مكرمة إلى حد أنه لم يفته دوام العمل وحرصه على تطبيقه. - السبب الثاني أن لهذا الأمر الملكي بُعدًا إنسانيًا ما كان ليغيب عنه خادم الحرمين الشريفين ولا أولياء الأمر في المملكة حيث يحق لأي موظف أو عامل أو أجير أو مدير أن يلتزم بأوقات للدوام وبأوقات للراحة دون أن تكون إحداها على حساب الأخرى وبخاصة أن لدى أي إنسان طاقة محددة قادر من خلالها على العطاء، ولكن إذا ما تم استهلاك هذه الطاقة فإن أي عمل نقوم به يصبح غير مجدٍ ولا مكتمل ولا متوافق مع ما نتطلع إليه. - السبب الثالث هو أن خادم الحرمين الشريفين حريص على أن تواكب المملكة الدول الأكثر تقدمًا وهذا الطموح لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال الالتزام بكل ما يستوجب العمل من شروط قانونية وإنسانية وتقنية ومالية. ويقيني أن هناك فئات من المجتمع السعودي ستتذمر من هذه الأوامر التي حددت ساعات العمل لأنها لم تعتد على ذلك. ولكن ما تم توارثه بحكم العرف سيتم تغييره بحكم القانون حتى وإن استوجب التغيير بعض الوقت. [email protected]