حرب الرأي التي مازالت تدور رحاها على الصحف وشبكات الإنترنت؛ بين مؤيد ومعارض لقيادة المرأة السيارة، هذه القضية التي شغلت المجتمع، وجعلته يدخل في صراعات وملاسنات عنيفة، دلّت على أننا مازلنا بحاجة ماسة إلى دورات مكثفة في فن الحوار وتقبل الآخر. ولعلها تكون مؤشراً حقيقياً لمركز الحوار الوطني، لقياس نتائجه ومعرفة مدى تغذيته الراجعة على المجتمع، فيعيد منظومته وآلياته. كم آلمني وأنا أقرأ تلك التعليقات السخيفة على صفحات (الفيس بوك)، والكلمات البذيئة التي تدل على ضحالة الفكر، وخلل في الأخلاق، وإن عذرنا هؤلاء –افتراضاً- وأسندنا حماقتهم إلى جهلهم، وقلة وعيهم، فإن ما هو أشد إيلاماً أن تصدر مثل هذه السلوكيات من أناس هم حملة مشعل الأخلاق ويفترض أن يكونوا دعاة للخير مغاليق للشر. إن الاحتجاج بأن الحمية للدين والذَّب عنه هي دافعهم، إنما هي حجة عليهم لا لهم، لأن حماية الدين تكون بحماية كل مسلم دينه وماله وعرضه، ولا تكون بالنيل ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، مع صيامه وقيامه وحجه وزكاته. كيف تجرأ أولئك على النيل من نساء وبنات المسلمين - وإن تجاوزن الأعراف والتقاليد في ذهنية المخالفين – فهل قضية قيادة المرأة للسيارة تبيح لهم وصف النساء المسلمات بالخبيثات المنافقات الفاسقات الباطنيات، أي جرم أكبر فداحة؟.. وصف مسلمة صائمة قائمة بالفسق والنفاق والفجور، أو جرم قيادة السيارة؟!. وذاك الذي حاول استخدام الحرب النفسية ضد المرأة، فوصفها بأنها من القواعد من النساء، ألا يعلم أنه بهذا القول قد تسبب في إيذائها نفسياً بإشعارها أنها قد فارقت سن الشباب، وأنه لا مطمع لأحد فيها، فالأولى بها أن تنكفئ على ذاتها، وكأن الكبر في السن عيباً يُوصم به الإنسان، وليس سنة الله في كونه..! أين هؤلاء من قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي أهي أحسن) النحل 125. وقوله عز وجل: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران: 159، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه)، رواه مسلم. لماذا تجرأ هؤلاء على تلكم النسوة ونالوا منهن، في حين أن هناك علماء أجلاء قالوا بجواز قيادة المرأة للسيارة، وأعلن رأيه على الفضائيات، لماذا لم توجه إليهم اللائمة بهذه الألفاظ المقذعة؟ ألأنهم رجال لهم وزنهم في المجتمع، وأولئك نسوة من السهل النيل منهن، متناسين أن كل المسلم على المسلم حرام، ماله ودمه وعرضه..؟! إن تلك الكلمات فيها طعن وتجريح لنساء طاهرات لهن أهالٍ وأبناء وأزواج، ومنهن صاحبات دين وخلق ومن بيوت عُرفت بأخلاقها ودينها. إن هذا التهور والتسرع في النيل من الأشخاص لمجرد الاختلاف في الرأي في أمر من أمور الدين، الذي هو في الأصل، فيه اختلاف بين العلماء، له انعكاساته السلبية على الدين والمجتمع، فهذه القسوة والغلظة في المعاملة قد تخرج الإنسان عن طوره وتجعله وهو تحت هذه الضغوط النفسية، ينقلب عدواً للدين بعد أن كان من أبر أبنائه. فهل يعتقد أولئك الغيورين المفرطين في غيرتهم أنهم لن يتحملوا وزر من اضطروهم للانحراف عن جادة الحق؟!. أين هم عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بُعث رحمة للعالمين، والذي صرح بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فكان حقاً سيد الأخلاق في معاملته لأهله ولجيرانه، ولعامة المسلمين صغيرهم وكبيرهم، بل كان سيد الأخلاق في معاملته لأعدائه والمخالفين له في الدين والملة، هذه المعاملة التي جذبت الكثيرين وأدخلتهم في رياض الإسلام. ليت مركز الحوار الوطني ينتهج نهجاً جديداً في دوراته، فيجعل قوامها قراءة فقه السيرة النبوية في الأخلاق والمعاملات، وكيفية تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الصديق والعدو، والصغير والكبير، والنساء والرجال، وكيف كان يتقبل المخالف له في الرأي والدين، ولنجعل شعار هذا المركز (بَشِّروا ولا تُنَفِّروا). ص. ب: 698 المدينةالمنورة 4131 [email protected]