إن بيعتنا لوليّ أمرنا على السمع والطاعة أعظم من كل الانتخابات، فهي عهد دينيّ ووطنيّ معًا، وهذه البيعة التي نعيش ذكراها السادسة تشي بالتفافنا حول قيادتنا، انطلاقًا من الولاء الشعبي المنقطع النظير على مدى التأريخ، فقلّما يكون هناك التفاف شعبيّ حول القادة بهذا الحجم في أي بقعة من العالم. وهذا الالتفاف وهذا الانتماء وهذا الولاء، لا يمكن أن تأتي جميعًا من فراغ، ولا يمكن أن تُفرض فرضًا، بل هي جميعًا شعور مكتسب اكتسابًا لدى هذا الشعب العربي المسلم توارثه الأبناء عن الآباء، والآباء عن الأجداد منذ قيام هذا الكيان الكبير منذ أكثر من مائة عام مضت. كما أن أبناء وبنات هذا الوطن يرضعونه من أثداء أمهاتهم طوعًا لا كرهًا، فهو يسري في عروقهم ويكبر ويتنامى معهم. والسّر في ذلك كله كما كتبت مرارًا وتكرارًا يكمن في أن الانتماء لهذا الوطن والولاء لقادته، يختلف عن الولاء والانتماء لأيّ وطن آخر على وجه هذه البسيطة، إذ هو ولاء دينيّ ووطنيّ في آن معًا، وهو ما لا يتحقق لأي وطن آخر، فانتماؤنا لمهد الرسالة المحمدية راسخ رسوخ الجبال، وولاؤنا لحكام يرفعون لواء (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله)، لا يمكن أن يتزعزع، لأننا لا يمكن أن ننضوي تحت راية أخرى سوى راية تحمل شهادتي الإسلام ولا فخر. ومن بايع وعاهد لا يمكن أن يُخلف وينقض عهده، ولا يمكن أن تعبث به أهواء ضالة مضلّة كما حدث في بلاد أخرى من إشاعة الفوضى وزعزعة الأمن، وإن كان بعض ما حدث في دول عربية أخرى يرمي إلى «تغيير النظام»، كما يردد دائمًا، فلا يمكن أن يطالب عاقل بتغيير نظام أو تعديله، وهو نظام قائم على كتاب الله وسنة رسوله، وهل يمكن أن نستبدل ما هو أدنى بالذي هو خير؟ نعم بعض الأنظمة التي طالب الناس بتغييرها تقلّبت خلال عشرات قليلة من السنين بين التشدد والغلو، ثم البعثية ثم القومية، ثم الاشتراكية ثم الإفريقية ولا أحد يدري ما يكون بعد ذلك كما حدث في ليبيا، بينما ظل دستور هذه البلاد ثابتًا لا يتغيّر وسيبقى ثابتًا لا يتغيّر: كتاب الله وسنة رسوله، وهذا التقلّب في أنظمة الحكم ودساتيرها لم يحقق للشعوب شيئاً سوى الدمار وعدم الاستقرار والفقر والخوف والتخلّف ما دعاها لما فعلته في المدة الأخيرة، بينما حقق دستور هذه البلاد الثابت الأمن والأمان والدعة والاستقرار والرخاء والتقدم والنماء والتحضر، لذلك لا يخفى على هذا الشعب الكريم حال جيرانه، والعاقل من وُعِظ بغيره، فلا يمكن أن يقع هذا الشعب بما وقع فيه غيره من حبائل الشّر والفتن والضياع. وما حدث من حولنا مدعاة لتجديد البيعة لوليّ الأمر ولترسيخ هذا الولاء وهذا الانتماء وغرسه في نفوس أبنائنا وبناتنا.. وتجيء ذكرى البيعة السادسة، والوطن ما يزال يعيش أفراحه بعودة قائده سالمًا معافى إلى أرض الوطن، ولا يمكن لمواطن أن ينسى أن هذا الملك الصالح لم ينسَ أحدًا من أفراد شعبه، حين فاضت الأوامر الملكية الكريمة بخير عميم شمل كل شرائح المجتمع دون استثناء، ولا ينس الشعب قوله يحفظه الله: «لا تنسونا من صالح دعائكم» فبهذه العبارة ختم الملك المفدى كلمته الأبوية لشعبه المحبّ له، المتفاني في حبّه، بعد أن بيّن في كلمات موجزات فخر القيادة بهذا الشعب الذي لا ينخدع بأكاذيب وأباطيل المغرضين من أعداء الأمة، ويحيط بقيادته إحاطة القلادة بالعنق. وبعد هذه الكلمة المركّزة الصادقة التي تفيض بمعاني الحب والرعاية، انهلّ وبل الأوامر الملكية الكريمة الزاخرة بالعطايا التي يمكن وصفها دون أي مبالغة ب»الجامعة المانعة» فهي لم تستثنِ مواطنًا من خير لابد من أن يصل إليه، صغيرًا أو كبيرًا، عسكريًا أو مدنيًا، موظفًا أو إداريًا، عاملاً في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، بل عاملاً أو عاطلاً عن العمل. فكيف ينسى هذا الشعب الوفيّ بعد ذلك كله هذا الأب الحاني من صالح الدعاء وخالصه بأن يمتّعه الله بالصحة والعافية وأن يمنّ عليه بطول العمر، ويبقيه ذخرًا لهذه الأمة وظلاً ظليلاً لأبنائها وبناتها.. أقول وبالله التوفيق: إنّ ما يشغل المواطن في معاشه اليومي أمور محدودة ومعروفة، ولو أنّها تحققت له، صلُح حاله، وزاد عطاؤه، وزاد معه ولاؤه وانتماؤه إلى وطنه وأولي الأمر، وكل ذلك سبيل لتقدم البلاد ونمائها وازدهارها ودعتها وأمنها واستقرارها. وإن كان المواطنون في كل أقطار الدنيا دون استثناء لا يحلمون بأكثر من أن يأمنوا على أمور دنياهم من مأكل ومشرب ومسكن وأمن وصحة. فإن مواطني هذه البلاد المسلمة وحدهم ودون غيرهم على وجه البسيطة يضيفون إلى كل ذلك أمنهم على دينهم ومعتقدهم، وقد تحقق لهم كل ما يصبون إليه من أمن على أرزاقهم وأقواتهم ومستقبل أبنائهم وصحتهم وسكناهم، دون خوف أو وجل على أرواحهم وأعراضهم وكرامتهم ورفعة شأنهم ورغد عيشهم، وأحسب أن أمناً كهذا بمعنى: دين ودنيا، لم يتحقق لأمة من الأمم على مدى الدهر إلّا لأمة الإسلام في القرون الأولى التي نشهد بعثًا لها وسيرًا على خطى سلفنا الصالح فيما سنّوه فيها في عهد الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز. واسأل الله تعالى أن يمد في عمره حتى ندرك يومًا نبحث فيه عن مستحق للزكاة فلا نجد، وما ذلك على الله بعزيز، إنّه الفرح الوطني العارم بالذكرى السادسة للبيعة الصادقة لمليك هذه البلاد المسلمة على السمع والطاعة والحب والولاء.