اللقاءات العابرة أعمق أثراً وتأثيراً من اللقاءات المقصودة أو المخطّط لها ، قلت ذلك سابقاً وأنا أتذكّر أكثر من لقاء عابر مع أشخاص عابرين في استراحة على طريق الشمال أو في مقهى يقدّم القهوة بعرق البُسَطَاء وأحياناً على متن حافلة نقلٍ جماعي ! في عطلة نهاية هذا الأسبوع وفي مدينةٍ ما دخلت إلى صالون حلاقةٍ كنت دخلته قبل عام ، _ السلام عليكم ، _ وعليكم السلام تفضّل : جلست على الكرسي لأنتبه إلى الشهادة المعلّقة على الجدار والتي تخصّ هذا الرجل الذي سيحلق لي ، بيانات ومن ضمنها مكان الميلاد : ( درعا ) . التفتّ إليه وقلت : كيف درعا ؟! أجاب : بخير ! كانت الإجابة قصيرة كَ نَفَس طِفل ولكنها عميقة كَوَجَع كهلٍ أنهكته السنين . سكتنا قليلاً ، حتى أضاف : أتمنّى أن تكون بخير .. أتدري منذُ أن قطعت الاتصالات بيننا وبين أهالينا هناك أصبحنا نتتبع الأخبار عن طريق ما تبثُّهُ القنوات الإخبارية والتي تتلقّف الأخبار مثلنا بعدما مُنِعوا من الدخول إلى هناك ، أو عن طريق المقاطع المسربة عبر اليوتيوب ولك أن تتخيّل أن تبحث عن مقطعٍ لا تدري ماذا يخبّئ لك في الشارع الذي قد تتفاجأ بأنّهُ ذلك الشارع الذي يمُرّ أمام أو خلف بيت والدك ووالدتك هناك ! سألتُهُ : ما الذي أشعل الفتيل ؟! أجاب : بعض الصبية كتبوا على جدار إحدى المدارس كلاماً ضدّ الرئيس . في المساء قبضت عليهم الشرطة ليبدأ التحقيق الذي لم يُسفِر عن أيّ شيء حتّى بعد نزع الأظافر !! إذ لم يكونوا تابعين لأي شيء .. عدا طيشهم . زاد الأمر سوءاً ما قالهُ أحد الضبّاط لآباء أؤلئك الصبية عندما جاؤوا لمعرفة مصير أبنائهم : ( انسوا أمرهم ، واذهبوا إلى نسائكم لتنجبوا بدلاً منهم ) ! وفعلاً إلى مصيرٍ غير معلوم حكمت عليهم المحكمة . ولأن (المحكمة) لم تعد مكاناً للعدل قام الأهالي ب : (حرقها) ! ليبدأ شلاّل الدم في درعا والمحافظات من حولها خصوصاً بعد وصول قوات الجيش بدباباته التي كُنّا نظُنّ إلى وقتٍ قريب بأنها قد أعدت لاستعادة (الجولان ) . وليست لمجزرةٍ كمجزرة (ازرع) مثالاً لا حصراً. _ وكم عدد السكان في منطقة درعا ؟ سألتُهُ وأنا أخشى أن يجيبني ب : قبل وصول الجيش أم بعده ؟! أجاب : بحدود المليون والنصف . وأضاف : منطقتنا تزرع القمح ولكن القيمة التي تشتري بها الحكومة محاصيلنا لا توفّر لنا في النهاية قيمة ( الخبز ) ! كما أنّ هناكَ أمرا خطيرا بات يؤرّق الأهالي في الفترة الأخيرة . ألا وهو أنّ ثلاثة أرباع الأراضي هناك تمّ شراؤها بأضعاف أضعاف ثمنها من قِبَل شخصيّة كبيرة في الدولة ليتركها هكذا بدون أن يستثمرها ، ولاحظ أنها بجانب الجولان تماماً ! ( أخبرني باسم الشخصيّة ولكني لم أشأ نشره ) كان يُريد أن يتحدّث أكثر وكنت أتمنّى أن تنبت لحيتي مرّة ثانية ليواصل الحلاقة ! إلاّ أنّ كل ذلك انتهى ب: نعيماً لأجيب : جميعاً .. لحظة إعلانٍ على قناةٍ فضائية : ( في رمضان الكريم أنتم على موعدٍ مع المسلسل التركي الجديد : ................... انتظرونا ) .