تعرض البحث الذي أنجزه مركز أسبار عن «تقويم لتجربة الانتخابات البلدية» إلى مشاركة المرأة في التصويت وعضوية المجالس البلدية، حيث تناول مدى تأييد السعوديين لمشاركتها في العملية الانتخابية و مدى تقبلهم لترشحها لعضوية المجالس البلدية، إضافة إلى التطرق إلى الأسباب التي تحول دون قبولهم بذلك. وتبين النتائج أنّ 72.5% من المبحوثين «لا يؤيدون» عضوية المرأة في المجالس البلدية، أمّا الذين «يؤيدون» فكانت نسبتهم 11.3%، وترتفع إلى 13.7% عند من «سجلوا ولم يصوتوا». أمّا «المؤيدون إلى حدٍ ما» فقد كانت نسبتهم 8.7% «. ومن أهم أسباب عدم تأييد عضوية المرأة في المجالس البلدية هي: « 69.5% قالوا لما في ذلك من مخالفات شرعية، و63.9% قالوا إنّ المرأة لا علاقةلها بعمل المجالس البلدية، 63.8% قالوا إنّ في ذلك انتهاكا للأعراف والتقاليد،54.2 % قالوا بتعطيل لمهام المرأة الأساسية في المنزل وتربية الأطفال، و53.3% قالوا إنّ المرأة أقل قوة وتأثيرًا من الرجل في هذه المهمة. وعند قراءتنا لهذه الأسباب نجدها تؤكد على مدى تأثر الرأي العام بالخطابين الديني والاجتماعي القائم بعضهما على مفاهيم خاطئة لآيات قرآنية وأحاديث نبوية، وعلى غلبة الأعراف والتقاليد على أحكام الدين ،بل غلبتها على آيات قرآنية قطعية الدلالة، كالآية (12) من سورة الممتحنة التي جاء الخطاب فيها على التخصيص للنساء للتأكيد على استقلال بيعتهن عن بيعة الرجال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) إلى قوله( فَبَايِعْهُنَّ)،والبيعة تعادل الانتخاب، وطالما من حق المرأة أن تنتخب فمن حقها أيضًا أن تُنتخب، والعمل في المجالس البلدية يدخل في نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب على الرجال والنساء على حد سواء، يؤكد هذا قوله تعالى :(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ){ التوبة: 71}، وأول محتسب في الإسلام امرأة، وهي الشفاء بنت عبد الله من بني عدي رضي الله عنها التي عينها عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الحسبة، وهو مؤسس الحسبة، كما كانت الصحابية الجليلة أسماء بنت نُهيك الأسدية رضي الله عنها تراقب الأسواق في مكةالمكرمة، وتضرب الغشاشين بالعصا، فكيف تكون مشاركة المرأة في التصويت والترشيح في المجالس البلدية فيها مخالفات شرعية، وقد مارسته صحابيات جليلات في عهد الخلفاء الراشدين؟ فهل نحن نفهم في الدين أكثر منهم؟ أمّا إن كان المقصود أنّ عضويتها في المجالس البلدية ستؤدي بها إلى الاختلاط، فمن قال إنّ الاختلاط يُحرّمه الإسلام وهو واقع في الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، وفي الأسواق؟، وفي القرآن الكريم آيات واضحة تؤكد على مشروعيته، منها قوله تعالى:(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين، وكذلك آية المداينة :( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى){البقرة :282}، فهذه الآية جاءت لتوثيق عقود المداينة ؛إذ سبقها قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)، وهذا يعني اختلاط رجال بنساء في مجلس تمّت فيه المداينة ، ولتوثيق عقدها لابد من شهود، فإمّا رجلان، أو رجل وامرأتان، ولا يمكن تشهد المرأتان بدون حضورهما عقد المداينة، وشهادة امرأتين برجل واحد ليس انتقاصًا للمرأة، ولكن لعدم ممارستها للأمور المالية فجاءت العلة في الآية(أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)، فإذا انتفت العلة يُكتفى بشهادة امرأة واحدة، كما ذكر ابن القيم. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يُحرِّم لقاء الرجال بالنساء، ولا دخول الرجال بيوت الغائبين« المسافرين»، وإنَّما أكَّد على تحريم الخلوة بالمرأة من غير المحرم التي غاب زوجها عن بيتها، وظلَّت الإباحة للقاء، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلاَّ ومعه رجل أو رجلان )، فأكد على تحريم الخلوة، وأبقى أصل الإباحة للقاء، فوضع الضابط دون أن يمنع. وقوله عليه الصلاة والسلام:(لا يخلون رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم )يشير إلى جواز لقاء المرأة بالرجل الأجنبي عنها في حضور محرم لها، أو عدد من الرجال، وهناك عالمات وفقيهات علمّن علماء وفقهاء منهم الشافعي وابن حجر العسقلاني والسيوطي وابن تيمية وغيرهم. أمّا القول بأنّ عضوية المرأة في المجالس البلدية تشغلها عن واجباتها الأسرية وتربية الأطفال، فهي حجة واهية ،فالتي سترشح نفسها للانتخاب تكون في الخمسين، أي انتهت مسؤولياتها التربوية، ثم أين هؤلاء من النساء المطلقات اللواتي يحرمن من حضانة أولادهن عند طلاقهن، ومعظم قضاتنا يحكمون بالحضانة للأب، وفي حالات يكون الأطفال لا يزالون في سن حضانة الأم، والأم غير متزوجة، فحجة عدم إشراك المرأة في الحياة العامة وعدم توليها مناصب قيادية لمسؤولياتها التربوية حجة يُسقطها إسقاط بعض قضاتنا حضانة الأم لأولادها بمجرد طلاقها. والقول إنّ المرأة أقل قوة وتأثيراً من الرجل في هذه المهمة قول يستند على التأثر بنظرة المجتمع إلى المرأة التي تقلل من شأنها وقدراتها، رغم ما حققته المرأة السعودية من إنجازات عالمية في مجالات علمية وطبية لم يحققها الرجل السعودي، وحققت نجاحاً ملموساً في كل الأعمال التي أسندت إليها في الغرف التجارية والصناعية وفي مؤسسات الطوافة والأدلاء وغيرها، والدور العظيم الذي قامت به في إغاثة المتضررين من سيول جدة، فالمرأة السعودية مؤهلة للعمل في المجالس البلدية، وستتفوق على الرجل فيها لما تتمتع به من علم ونشاط وهمة ودقة ملاحظة، وجرأة في الحق ومحاربة الفساد والمفسدين ،وتحمّل المسؤولية، وستنتشل المجالس البلدية من التبلد والسلبية، ثمّ أين هو تأثير الرجل؟ فعلى مدى ست سنوات لم تُحقّق المجالس البلدية شيئًا يذكر، بل ظلت تقف موقف المتفرّج أمام ما حدث من كوارث ،ككوارث جدة المتتالية، ولم نلمس لها أي تأثير في أي حي من أحيائنا!! [email protected]