احتفى النادي الأدبي في جدة مساء الثلاثاء 29/5/1432ه، 3/5/2011م بذكرى الإعلامي الراحل مطلق بن مخلد الذيابي (1346 – 1403ه) وبجهوده في العمل الإعلامي والأدبي بعد رحيله بثلاثين عاماً، وهو عمل مشكور من النادي بأن يذكر بروّاد العمل الإعلامي في بلادنا. مطلق الذيابي أو سمير الوادي، وهو اسمه الفني، كان قامة في العمل الإذاعي، وكان واحداً من رواده، بدأه من عمّان حيث كانت ولادته ونشأته الأولى، فأعد برامج لإذاعة الأردن وكان صوته ذا جاذبية في قراءة الشعر: فصيحه وعاميه، كما كان ذواقة له، ولذا عندما عاد إلى بلاده تقدم باقتراح إعداد برنامج «من البادية» ولكنه قوبل بالرفض من مسؤولي الإذاعة إذ ذاك، غير أن البرنامج أقر بدعم من بعض المسؤولين خارج الإعلام، ولقي البرنامج شعبية جماهيرية كبيرة، وكان يتلقى يومياً عشرات الرسائل البريدية، وكان متابعوه يترقبون موعده، ولقي معده شهرة كبيرة كادت تدفعه للزهو بنفسه ومع ما يتحلى به من تواضع وقرب من الناس، واستمر في إعداده وتقديمه اثنتي عشرة سنة كانت قمة المتابعة للبرنامج لما تميز به مطلق من حسن انتقاء للقصائد، ولحكايات الكرم والشهامة والوفاء إضافة إلى الإلقاء الجيد لما وهبه الله لمعده من حنجرة ذهبية، وتذوق لجمال الشعر وحلاوته، وكان إلقاؤه مطرباً إذا قرأ الشعر بنوعيه الفصيح أو العامي، أما ذوقه في إدراك الجمال للكلمة الشاعرة فهو في مكانة عالية، حضرت مرة حواراً معه من شاعر أُرسل إليه ليحكم على قصيدة شعبية وكانت ضعيفة المستوى معنى ومبنى، فألح الشاعر على جودة قصيدته فما كان منه إلا أن قال له: أنا أعرف جيد الشعر من ضعيفه وقصيدتك هذه دون مستوى الإذاعة. تتلمذ عليه في برنامج «من البادية» محمد بن شلّاح المطيري الذي أعدّ البرنامج بعده بمستوى قريب من إعداد مطلق، وفي الحلقات التي أعدّها مطلق مشاركات بصوت محمد بن شلّاح، وعندما أنشئت إذاعة الرياض أعد منديل الفهيد برنامجاً مماثلاً باسم «البادية»، لكنني وقد سمعتُ ما أعده مطلق وما أعده غيره إلى اليوم من برامج شعبية أعتقد أنه لم يأتِ من قارب مطلقاً لتميزه صوتاً وأداء وتذوقاً واختياراً إلى يومنا هذا. لم يقتصر مطلق على برنامج «من البادية» وإن كان أشهر برنامج له بل قرأ الأخبار وأعد برامج أخرى آخرها «ثمرات الأوراق» وهو مختارات نثرية من كتابته أو من اختياره تكاد تكون عديلاً لبرنامجه الشعري. كان مطلق ذواقة في انتقاء كلماته إذا تكلم، وكان ذواقة في لباسه، وكان كريماً بماله بل لا يكاد يبقى لديه شيئا منه وبخاصة إذا رأى ذا حاجة، فهو جمع إلى جمال الأدب جمال الملبس وجمال الخلق، كنت معه في المغرب فمررنا بصبي يجيد النقش النحاسي فلاطفه بقوله: «أعطاك الله العافية»، وبعد أن قطعنا شوطاً في السوق نبّهه أحد الإخوة أن العافية تعني عند المغاربة النار، فعاد إلى الطفل بالرغم من طول المسافة واعتذر إليه. مطلق الذيابي الذي أذكرنا نادي جدة بذكراه، أذكرنا برواد العمل الإذاعي الذين كانوا يقضون الساعات لإنتاج برنامج مدته نصف ساعة، ولا يقبلون إلى الإنتاج إلا بعد ساعات من التدريب والممارسة ولذا بقوا نجوماً في سماء الإعلام مثل البدر الذي يبدأ هلالاً ثم يصير بدراً وليس كأيامنا يبدأ الإعلامي وبعد أيام يظن نفسه صار شيئاً وأخطاؤه تتناثر ذات اليمين وذات الشمال.