محزن أن تموت العيس ظمأ وهي تسمع اضطراب الماء في القرب على ظهورها ، و مأساة أن يلفظ المريض المقعد روحه و هو يرى عبوة الدواء على الرف أمامه لكن لا يتمكن من الوصول إليه ، فيداهمه الموت ، وعيناه شاخصتان لم تبرحا الدواء القريب البعيد . كثيرة قصصنا القاسية التي نبدو بها كالعيس الماضية تقطع الصحراء غير المنتهية و حرقة الظهيرة أزلية لا يساورها الغيم و نحن في عطش مهلك ، عطش لجبال العواطف التي نحملها في قلوبنا و ضلوعنا و أنفاسنا و تتحكم بدفق الدم في أوردتنا ، و على كثرة ما تتراكم الغيوم و يجلدها البرق و ينهرها الرعد إلا أنها لا تقاوم صمتها المطبق ، ولا تبوح للأرض بأسرار الربيع ، عواطفنا كقرب الماء على ظهور العيس و كالدواء على رف غرفة المقعد العاجز، لا يمكننا الوصول لها ولا الوصول لأنفسنا ، ولا التعبير عنها ، ولا الاستمتاع بها ، كثير منا يتردد في قول كلمة ( أحبك ) لمن يحب كما لو كانت كلمة الكفر ، يعيش عمرا ما أسمع زوجته كلمة رقيقة هبها نسيم الصبا في ضلوعه ، و ربما فارقه أبناؤه لا يذكرون أنه ضم أحدهم قائلا : كم أحبك ! و إن كانت جناية الصحراء علينا أن جعلت الحب من المحاذير و الحديث عنه خدشا للهيبة ، وإعلانا للضعف ، فقد جنى عصر المادة و سطوة المال و قضى على البقية الباقية ، فصارت قلوبنا بين حجري الصحراء و عاداتها الجافة و المادة و قيمها الجامدة ! على أن الحب قادر على تحطيم الحجرين ، و تحرير قلوبنا من هذا السحق المستمر إلا أننا لا ننتفض على مكابرة التحفظ و عناد المعتاد لنبقى كصحرائنا في جفاف قاتل ، ورغم ينابيع الماء المتفجرة بين ضلوعنا نموت عطشا ! [email protected]