أما وقد حثنا ديننا الحنيف في تعاليمه السامية بأن يكون المسلم صادقا في حديثه يخشى الله في كل كلمة يقولها ، وعلمنا أن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وأنها أمانة ومسؤولية ورسالة ، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله – ظل يؤكد في عديد المناسبات على أهمية الكلمة كأداة للتعبير عن الرأي الصائب وممارسة الحرية المسؤولة التي تسمح بالنقد الموضوعي الهادف والبناء الداعي إلى الخير والصلاح ، والذي يبتعد عن الغمز واللمز وإلصاق التهم والذي لا يستهدف التجريح والإنقاص من قدر الآخرين والإساءة إليهم. أما النقد المثير للقلاقل ، والذي يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع، أو النقد الذي يتعرض لأي كان مسؤولا أو مواطنا بنشر أخبار ملفقة أو كتابة مواضيع غير صحيحة أو غير موثقة بغرض الإثارة ونشر القلاقل والفتن ، فهو يخرج عن المفهوم العقدي والأخلاقي للكلمة الطيبة التي أمرنا بها من واقع النص القرآني والأحاديث النبوية الشريفة ، لذا فعندما يعيد خادم الحرمين الشريفين التأكيد على التمسك بهذا المفهوم المعياري لمعنى الكلمة وأهميتها وتأثيرها وضرورة التقيد بمفهومها الصحيح من خلال الأمر السامي الصادر أمس الأول بتعديل بعض مواد نظام المطبوعات والنشر السعودي ، فإنه إنما يعمل على إعادة التأكيد والتذكير بهذه المبادئ وترسيخها في نفوس وضمائر كل من يمتهن مهنة مخاطبة الرأي العام عبر وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة والمسموعة ، لاسيما في ظل ثورة المعلومات والاتصالات والقنوات الفضائية التي أسهمت بشكل كبير في خطورة سريان الكلمة ، وهو ما يتطلب نشر ثقافة الوعي العام بين أفراد المجتمع ، وأن يخشى كل من يتعامل مع هذه الأداة ذات الحدين خشية الله سبحانه وتعالى بتوخي الصدق في كل ما يكتب لأنه سيسأل عن ذلك أمام الله سبحانه وتعالى. إن قراءة متأنية لهذا الأمر الملكي تثبت حرص الدولة على كرامة المواطن وعلى تأصيل المعنى الحقيقي للحرية في المجتمع ، وهو ذلك المعنى الذي يؤكد على حق الاختلاف وتنوع الاجتهادات ، لكن ضمن الضوابط التي أرشد إليها السلف الصالح من اعتبار الاختلاف العلمي مصدر إثراء يضاف إلى رصيدنا العلمي وأفقنا المعرفي .