بادي ذي بدء نحن ككتاب لا نتدخل في شؤون أي شعب أو نظام حكمه، أو رموز النظام فيه، فأهل مكة، كما يقال، أدرى بشعابها، ولا ندافع عن أي نظام أو رئيس أو غيره؛ لأننا نكتب لشعوبنا العربية في أي مكان، فنحن ككتاب غالبيتنا لا نكتب وفق أهوائنا الشخصية، أو ما يتناسب مع مصالحنا الشخصية الضيقة، وليس لدينا أي خلافات شخصية مع أحد، أو تصفية حسابات كما يعتقد البعض ممن تطالهم انتقاداتنا من أجل تقويم المعوج، هذه حقيقة يجب أن يعرفها الجميع. ولكن ما يجعل الإنسان يحزن هو عندما يكون هناك زعيم عربي، في بلد شقيق علينا، له ثورة شباب نجلها ونحترمها، وشعب عظيم اسمه الشعب المصري، هذا الزعيم أعطى لبلده وسواء كان هذا العطاء مقدرًا من شعبه أو غير مقدر يظل مربط الفرس هنا أنه في النهاية انسحب من الساحة السياسية بكل هدوء وأدب واحترام لشعبه بدون إراقة الدماء على الرغم من قدرته على البقاء والمراوغة وسفك الدماء كما يفعل الآن البعض من الرؤساء الذين لا هم لهم إلا التمسك بالكراسي على حساب إبادة شعوبهم. الأمر الآخر، أيها الشعب المصري العظيم، إن الرئيس حسني مبارك وصل من السن مبلغه، ويعاني من أمراض يستوجب رحمته وبقاءه تحت العلاج وليس مكافأته بهذه الطريقة غير اللائقة برئيس لم يهرب إلى دول أخرى طالبًا اللجوء السياسي وهو قادر على ذلك، وكل دولة سوف ترحب به وتعامله كرئيس له احترامه وتقديره، كما يفعل المرفوضون من شعوبهم وقال إنه يريد أن يموت في بلده مصر مهما كلفه ذلك ومع ذلك يعامل من قبل شعبه بهذه المعاملة القاسية وغير الإنسانية البتة، صحيح أن له أخطاء ولكن تلك الأخطاء لا تبرر مطلقًا معاملته بهذه المعاملة القاسية مرة أخرى. النائب العام المصري والذي نحترمه ونقدره يطلب نقل الرئيس حسني مبارك من مستشفى في شرم الشيخ إلى المستشفى العسكري بالقاهرة حتى يتم تهيئة المستوصف بسجن طرة لرئيس دولة لم يفعل بشعبه مثلما فعل الرئيس التونسي السابق في تونس أو معمر القذافي في ليبيا أو غيرهم من الأنظمة الدكتاتورية التسلطية وأجهزتها القمعية؟!! ولنورد لشعب مصر العظيم مثالًا واحدًا فقط لرئيس دولة من أعظم الدول تقدمًا ألا وهي أمريكا فرئيسها السابق ريتشارد نيكسون، وهو من الحزب الجمهوري يتجسس على الحزب الديمقراطي فيما عرف بفضيحة «ووترجيت»، وتحديدًا في 17 من شهر يونيو عام 1972، وهي تعد من أكبر الفضائح التي هزت الشعب الأمريكي وانتهت حياته السياسية بالاستقالة ثم قام نائبه جيرالد فورد بإصدار عفوًا عنه ولم نر الشعب الأمريكي يطالب المدعي العام الأمريكي بإعادته للمحاكمة والمثول أمام القضاء مرة أخرى على الرغم من عظم الفضيحة التي ارتكبها بحق الشعب الأمريكي الذي يتمتع بالديمقراطية بل استمر يعامل كرئيس دولة حتى وفاته له حقوقه واحترامه لأنه يظل رمزًا والأهم من ذلك هيبة أمريكا كونه كان رئيسًا لها ولا يمكن أن تسمح أو ترضى بأن يمرغ رئيسها بالتراب لأن هذه إهانة لأمريكا كدولة عظمى وكذلك لشعب أمريكا. الرئيس الأمريكي السابق نيكسون كان يعاني من التهاب الأوردة، وزوجته «بات» عانت من جلطة دماغية ولم نر المدعي العام الأمريكي يأمر أن بوضع رئيس دولة في سجن مع مجرمين بل قدمت له الرعاية الصحية المتميزة التي تليق به كرئيس دولة، لأن هناك هيبة دولة يجب أن توضع في الاعتبار مهما ارتكب الرئيس من أخطاء وفضائح يظل له حصانة وحماية واحترام وهذا كان من المفترض أن ينطبق على الرئيس المصري محمد حسني مبارك بل إنه أقل شيء يمكن توفيره له من الضمانات. فالرئيس مبارك في كلمته بعد تنحيه قال إن ليس لديه أرصدة مالية في أي بنك في العالم وإنما قال إن ما يملك هو في بنك مصري بل إنه خول وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة التي لم يعينها الرئيس مبارك بالتحقق عن طريق سفارات مصر وسفراء الدول الأجنبية التي يرى الشارع المصري أن له أرصدة مخبأة في بلدانها للتحقق من ذلك. ويدل على مصداقيته أنه منذ قال هذا الكلام قبل عدة أسابيع لم نر أحدًا من الدول الأجنبية تكذب ما قاله مبارك فهي دول ديمقراطية لا يهمها أحد، إضافة إلى أن الحكومة المصرية المؤقتة أو النائب العام المصري لم يقل لنا إلى الآن أنه تم التحقق من وجود أرصدة خارجية وتم التحفظ عليها بمبالغ وقدرها وبالتالي يُكذِّب ما قاله الرئيس مبارك، بعبارة أخرى أكثر وضوحًا إن كلام الرئيس مبارك صحيحًا إلى هذه اللحظة ما لم يصدر شيء جديد يبطل كلامه، فالتحقق من الأرصدة يتم بضغطة زر لترى إن كان يملك أرصدة مالية كما يدعى عليه أم لا، فالعملية لا تتعدى ثواني معدودة بفضل الله ثم بفضل التقنية؟!! إلى جانب أن هناك مبدأ شرعيًا يقول لنا «إن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر». نحن هنا لا نتحدث من باب العاطفة ولكن نتحدث من باب العقل والمنطق، وفي الوقت ذاته لا نستدر عطف الشعب المصري الذي نقدره ونحترمه وكذلك ثورة شبابه ولكن تقاليدنا العربية الأصيلة تقول لنا إن العفو عند المقدرة هي من شيم العرب، وقيمنا الإسلامية السمحة أيضا تحثنا دائمًا على الإحسان لمن يسيء لنا، في حين ان الانتقام منقصة لا قبلها ولا بعدها وكذلك تصفية الحسابات. قد يقول قائل إنك لم تعان مثلما عانى الشعب المصري من النظام السابق في مصر «فلا يحس بالنار إلا واطيها» وهذا صحيح، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الرئيس مبارك أتى للسلطة بانقلاب؟ الإجابة بلا، والسؤال الآخر هل كان في مصر حرية وديمقراطية ثم أتى الرئيس مبارك وحولها إلى حكم الفرد الواحد؟ والإجابة مرة أخرى بلا لأنه كان نائب الرئيس السادات، وقبله السادات كان نائبًا للرئيس جمال عبدالناصر، والذي أتى بالانقلاب هو محمد نجيب على الملكية المصرية وأصبح نجيب أول رئيس بمسمى الجمهورية في مصر والتي امتدت رئاسته من (يونيو 1953 - نوفمبر 1954)، ثم تم عزله بعد تلك الفترة القصيرة من قبل مجلس قيادة الثورة المصري ووضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة ثلاثين عامًا، ومن بعده جمال عبدالناصر واستمر حكم مصر بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب الفردي، فاللوم هنا يقع على من قام بالانقلاب ومن جاء بعده الذي لم يهيئ المجتمع المصري ليصبح دولة مؤسسات وحريات وانتخابات نزيهة حرة التي توصل الرئيس ورموز السلطة عبر صناديق الانتخابات وليس غيرها. أخلص إلى القول إنني أعرف سلفًا ردود الأفعال المتشجنة التي سوف تصلني على هذا المقال من قبل البعض من غير المنصفين ولكن ليعرف الشعب المصري العظيم وشباب ثورته أن مصر هي من علمتني في مرحلة البكالوريوس والتي حصلت على تلك الدرجة تحديدًا في يونيو 1978م من جامعة عين شمس العريقة في عهد الرئيس أنور السادات وليس الرئيس حسني مبارك، ولا توجد لي عقارات ولا أملاك في مصر لأنني كنت طالبًا في ذلك الوقت مكافأتي التي تعطى لي من قبل بلدي لا تتجاوز (63 جنيهًا مصريًا) شاملة السكن والإعاشة والملابس والكتب والمواصلات وغيرها، ولكن حبي لمصر وشعب مصر دفعني أن أناشد تلك الهامات المرفوعة من شباب الثورة في مصر أن يحترموا هذا الرئيس في آخر حياته، لأن العفو عند المقدرة كما أسلفت من شيمنا العربية الأصيلة، والإحسان للمسيء من تعاليم ديننا الإسلامي العظيم، حفظ الله مصر وشعب مصر وثورة شبابه إنه سميع مجيب الدعاء. [email protected]