ورحل الصديق العزيز “أبوغنوة” الذي عرفته منذ زمن جريدة المدينة “الجميل” فوق معرض سيارات “البيجو” في الكيلو الخامس على طريق مكةالمكرمة. كنت قادمًا من “أرض القبيلة” وهو أحد سكان المدن، لكن خلقه وكرمه جعل الالتقاء بين ثقافتين يتم بطريقة أسرع من ما يعتقده الباحثون في الثقافة والعلوم الاجتماعية. “أبوغنوة” فيه خصال مذهلة أجزم أنها نادرة لا تكون إلاّ في أمثاله، وأمثاله أقل القليل!! صدر كتابي الأول في العام 1399ه وكان أبو غنوة فرحًا به، وتطوع بتوزيعه في مكتبات مكةالمكرمة، وأشهد أنه كان يضع الكتب في «كراتين» ويحملها على كتفه، ويضعها في سيارته لتوزيعها هناك. مرة أو مرتين كل شهر يأتي ب«الحساب» ثم يأخذ كمية أخرى. قلت له: لقد أخجلتني يا صاحبي بما تفعل، قال: نحن إخوة ولا فرق بيننا.. ومرت السنون فاحتجت مساعدته لإيجاد عمل لأحد أبنائي، وتمنيت أني لم أفعل ولم أطلب هذا الطلب.. لقد طرق عدة جهات يبحث لابني عن عمل لدرجة أنني قلت له: أنا غلطان لأني طلبت منك هذا الطلب. قلت هذا لأنني شعرت بخجل شديد لأنه لم يترك مسؤولاً أو غير مسؤول إلاّ وسأله تحقيق طلبي. ولم يكف عن الاتصالات حتى التحق ابني بالعمل، فلمّا اتصل بعدها قلت له: الحمدلله انني سأرتاح من «اتصالاتك وسؤالاتك وإزعاجاتك»!!. هكذا كان أبوغنوة يهتم بالآخرين أكثر من اهتمامه بنفسه. فأين نجد له مثيلاً؟؟ آخر رسالة جاءت على هاتفي الجوال كانت قبل وفاته بأيام قليلة، يعتذر فيها عن تأخره عن الرد على رسالتي إليه.. يقول فيها: «العلاج الأخير أنهكني كثيرًا، وجعلني طريح الفراش جل الوقت. المعذرة من أخي سعيد». إنه «أبوغنوة» رغم رقة قلبه، فإنه واجه مرضه بشجاعة، وكان الأمل عنده أقوى من المرض إلى آخر لحظة. رحمك الله يا صديقي الغالي رحمة واسعة، وعوضك بما تستحق من كرمه وغفرانه بقدر ما أعطيت لمن تعرف ومَن لا تعرف، والسلام عليك دائمًا.