أحدث الأدب الأندلسي نقلة كبيرة في المشهد الثقافي العربي، حيث نبغ عدد من الشعراء والأدباء والفنانين في تلك الديار عندما كانت خاضعة للمسلمين، الأمر الذي جعل من هذه الحقبة التاريخية محل بحث ودراسة عند كثير من الأدباء والنقّاد.. ومن ذلك كتاب “أمير شعراء الأندلس.. ابن دراج القسطلي” لمؤلفه الدكتور طاهر تونسي والصادر حديثًا عن مكتبة الشقري للنشر والتوزيع.. يتتبع تونسي في كتابه حياة ابن دراج منذ عهد عبدالرحمن الناصر والحكم المستنصر، انتهاء في بلاط المنذر بن يحيى التجيبي، مشيرًا إلى أن القسطلي ولد قبل وفاة الخليفة عبدالرحمن الناصر بثلاث سنوات، وتحديدًا في شهر محرم من العام 347ه، مبينًا أن اسمه الكامل هو أحمد بن محمد بن العاصي بن أحمد بن سليمان بن دارج، وكنيته “أبوعمر”، وينتمي إلى قبيلة “صنهاجة” المنتهي نسبها إلى البربر. وعقب وفاة الناصر خلفه ابنه المستنصر، وفي عهده بلغ القسطلي مرحلة الشباب، وعندما بلغ العشرين توفي المستنصر، وشهد الحكم بعده صراعًا كبيرًا، بين ثلاثة أشخاص ممثلين في جعفر بن عثمان المصحفي الحاجب، ومحمد بن أبي عامر، وناظر الحشم، وكان اتصال القسطلي بالحاجب المنصور بن أبي عامر، وكان اتصالاً سطحيًّا غير وثيق، غير أنه قدم بعضًا من قصائده من بينها قوله: منكم إليكم مساعي المجد تنصرف ونحوكم عنكم الآمال تنعطف وعلى هذا النسق يتابع التونسي رحلة القسطلي واتصاله بعدد من أمراء الأندلس آنذاك، واصفًا حاله وشعره في عهد المنصور ابن أبي عامر، وفي عهد عبدالملك بن المنصور، وعهد عبدالرحمن بن المنصور، وفي عهد الفتنة، وفي بلاط المستعين، ومثله في بلاط القاسم بن حمود الحسني، وخيران العامري، مختتمًا بوضعه في بلاط المنذر بن يحيى التجيبي.. مقدمًا في ذيل كتابه الذي وقع في 97 صفحة من القطع المتوسط تقديرًا لابن دارج القسلطي واصفًا إياه بأنه “أقدر شعراء الأندلس”، أما مكانته بالنسبة لشعراء المشرق فهو شاعر وفحل وعظيم ولكنه دون مكانة الصف الأول من شعراء العربية.. واصفًا نثره كذلك بأنه دون شعره. موردًا بعض أقوال النقاد في القسطلي ومن ذلك رأي أبي منصور الثعالبي في كتابه “يتيمة الدهر” حيث وصفه بأنه أحد الشعراء الفحول، وقول أبي محمد علي بن الحزم الأندلسي في “جذوة المقتبس” ما نصه : “لو قلت أنه لم يكن بالأندلس أشعر من ابن دارج لم أبعد”.. ومن العصر الحديث يورد تونسي قول الدكتور شوقي ضيف في كتابه “الفن ومذاهبه في الشعر العربي”، ناقلاً جزءًا من قوله، وطيه قول ضيف: “إن بان دارج يعد من الشعراء الأفذاذ الذين ظهروا في الأندلس، ونرى صاحب اليتيمة يقرنه بالمتنبي، فهو يميل إلى الغريب في شعره كما يميل إلى التصنّع للثقافات من جهة أخرى، ثم هو بعد ذلك كابن هانئ يعنى باللفظ الطنان وقعقعاته وقد تعلق - مثل المتنبي- في مطلع مدائحه بشكوى الدهر والسخط على الناس في عصره...”