في كرة القدم، كلعبة شهيرة تخلب لب الملايين حول العالم، قد تضطر الجهات المنظمة للمباريات (اتحاد اللعبة) إلى قرارات قوية بحق فريق ما.. ومنها الإنذار والغرامات المالية، وقد تصل إلى حرمان الفريق من جمهوره المتابع لمبارياته المتعطش لمؤازرته أينما حل أو لعب.. تأتي العقوباتُ المشارُ إليها نظيرَ تصرفات حمقاء أو مشاغبات نابعة من سوء سلوك وقد تكون رداتِ فعلٍ عفوية نتيجة أخطاء اللعبة، وربما تكون التصرفات هذه خارج الملعب كالاحتكاك برجال الأمن أو الاعتداء على جمهور الفريق المنافس أو تحطيم الممتلكات نتيجة سُكْر أو عربدة أو... إلخ، وهي في الغالب تصرفاتٌ تطفو على السطح نتيجة لانعدام الروح الرياضية. في الملاعب وفي المدرجات لا يمكن الاعتذار عن ضبط الأمور بصعوبة التعرف على المشاغبين، لأن التقنية الحديثة والمراقبة المباشرة باتت تمكّن الحراس من ضبط كل شاردة وواردة وتصوير الجمهور كما يفعل مُخرج تلفازي يتابعُ بالحركة البطيئة تهاديَ الكرةِ وتدحرجِها نحو المرمى أو بجواره. في كرة القدم، وهي (لعبة) و(لعب) وركض وراء قطعة جلد مليئة بشيء مجاني هو الهواء! ومع ذلك، القوانين واضحة والجزاءات رادعة. أما في معرض الكتاب، في الرياض تحديدًا، فالشغب يتكرر والمشاغبون قلة يعرفون بسيماهم والسواد الأعظم من القادمين من أماكن بعيدة من أجل الكتاب هم الغالبية الساحقة الصامتة. المعرض الدولي للكتاب، يتم التحضير له لفترة ليست بالقصيرة وينتظره القراء والطلاب والمثقفون والأدباء والمهتمون بصناعة الكتاب، فهو تظاهرة احتفالية يجب أن تمثلّ الوجه الثقافي والحضاري للوطن! بالرغم من أن الفعل القاموسي (يشغب) لا يخلو من دلالات إيجابية، إلا إنه لا يكاد يمر عام إلا وتقفز مجموعة من مثيري الشغب إلى معرض الكتاب وأنشطته بأسوأ ما في اللفظ من معنى.. فمثيرو هذا الشغب غير الجميل فئة محدودة من جمهور دخل المدرجات مجانًا وسُمح له بالتواجد والتجوّل وتنفّس هواء اللعب.. أعني كان بإمكانه ذلك كعضو فاعل في منظومة تفاعلية تعطي للوحة قيمتها، كما يعطي المتنزهون للربيع معنى وللورود قيمة! أقول هؤلاء المحسوبون والمحتسبون (شرِقوا) باللوحة البديعة التي انتظمت وتنتظم تحت سقف مركز المعارض كل عام، فراحوا يستفتون شيوخهم،أو قد يندفعون من ذواتهم احتسابًا لتعكير صفو المعرض وتكدير سلسال الماء المنساب في لوحة بديعة عناصرها الوجه الإنساني والمنجز الثقافي والتفاعل الحضاري الذي يحضر عشرة أيام كل عام، ما يؤدي إلى ضخ حياة متجددة في العاصمة الحبيبة. يأتي هؤلاء طوعًا أو كرهًا، لكنهم في الغالب مندفعون ومدججون بألفاظ الشتائم خصوصًا الموجهة للنسوة على اعتبارهن (الحيطة الواطية) ثمّ تراهم، وقد راحوا ينتزعون وينازعون الكتاب أهله.. ما أدى إلى مشادات ومناوشات لفظية وتشابك وتدافع وشتائم واتهامات وتهديدات وصلت لهرم السلطة الثقافية القائمة على المعرض.. لقد تحولت بعض الأجنحة إلى (أجنحة تفتيش) تمَّ منعُ بعض الدور من العرض حتى تستبدل بائعًا ذكرًا بالبائعة، وتمّ منعُ عدة كتب من التدوال وسحبُها من أيدي الجمهور في محاولة لمنع الوجوه البشرية المتطلعة للمعرفة من تنفس هواء العناوين وارتشاف تفاصيل المحتوى مع العرس الثقافي! فأين الروح الثقافية التي يفترض أن تحوط المكان وتحمي المعرضَ وانتظامَ انعقادِه السنوي؟ فيما يخص الدار الباريسية، واسمها ويا للمفارقة (ابن رشد)، لنا أن نتساءل: ما المانع أن تبيع المرأةُ الكتبَ في جناح الدار؟ ألم يكن من الأفضل الاستنجاد بقرار تأنيث المحلات الغائب؟ أليست هذه التصرفات المتوترة والفهم الخاطئ للنصح والتوسع المفرط في الاحتساب والتجاوز الغريب لأبسط الحدود في التعامل مع الحريات الشخصية في الحضور والتواصل مع أوعية المعرفة ومع شداة الأدب وعشاق الفكر و... ألست هذه مخالفات أمنية واعتدءات ثقافية وتعديًا على اتحاد اللعبة؟! أليس في هذه الأفعال خرق واعتداء على سلطتين الأولى سلطة الأمن، والثانية سلطة اتحاد اللعبة، أعني وزارة الثقافة؟ إلى متى والعبارة التقليدية تردد (من أمن العقوبة أساء الأدب؟!) لكن، وهنا، من يعاقب من؟ في البداية، وحول إنزال العقوبة وما يجب من وقفة حازمة... الجهات المختصة غير قادرة حاليًا أو على طول الخط على ردع ومعاقبة هؤلاء. ومن ذلك. منعُهم من دخول المعرض مثلًا. وإذا كان “المنع أشد الإجراءات بداهة”. كما يرى فوكو، فهو وسيلة متبعة في واقع حياتنا دون اتباع وسائل أخرى قبل المنع. من هنا أقترح على الجهات المختصة إقامة معرض الكتاب في مارس 2012م بلا جمهور أي بدون متسوقين. ستطلق المذيعاتُ نداءاتِ التوقيع والإعلان عن المحاضرات في أودية لا أنيس فيها! في داخل المعرض ستخلو منصات التوقيع، ولن تدنو قدم خائفة أو رأس مستطلعة من قاعة المحاضرات ولن يتحدث أحدٌ عن فضائل ورذائل عباءتي الرأس والكتف. مباراة بلا جمهور، ستبدو المدرجات خالية في ملاعب الكرة المستديرة، وستبقى الممرات والأجنحة ينعق فيها غرابُ التشفي.. يبدو الحل سهلًا، لكنه جرعة مُرّة.. ستحقق نتائجَ جمةً لجميع الأطراف. منها: - ردعُ مثيري الشغب عن تصرفاتهم عند حرمانهم من الاستقواء بالمظهر لضرب الوعي الحقيقي. - تعزيزُ موقع وقدرة السُلطة الثقافية على لجم الخروقات الثقافية، وترتاح الوزارة لدورة واحدة من وجع الرأس. بعدما ارتاح المتسوقون من الأسعار الباهظة! وسيشعر المتشددون بالانتصار العظيم والتشفي الكاشف للطوايا والنوايا لكونهم قاموا بحملتهم المحببة لحماية الرؤوس المسلوبة من أخطار موهومة. - إراحة الجهات الأخرى المساهمة في التنظيم، فلا أحد يفرض غطاء الوجه للمتسوقات، ولا كتاب يُسحبُ، وقد كان قاب قوسين أو أدنى من امتلاك متسوق له كحق من حقوقه المشروعة. وستكون نتائج ذلك، على المدى الطويل، واضحة ومبهرة وفتاكة، وعلى الخاسرين من متسوقين وناشرين اللجوء إلى القضاء أوعليهم إن أرادوا، التصالح مع مبررات المنع ومع أجندات المتسببين فيه. ليكنْ معرض العام القادم يا وزارة الثقافة معرضًا بلا جمهور عقابًا للجميع على مجيئهم إلى المحفل الوطني الدولي العظيم وعلى تجاهلهم أنظمة غير مدونة وعلى تهافتهم على الكتب بنهم الظامئ ليكنْ المعرض العام القادم معرضًا يتسم بالسكينة والهدوء ولتصدح الأشرطة محذرة من الموت وعذاب القبر. مع تحذير للقارئ مما قرأ وتحذير أشد للكاتب مما كتبت يداه، وتحذير للمشترين فيم أنفقوا أموالهم.