قال الضَمِير المُتَكَلّم : أعزائي المواطنين والمواطنات إليكم هذه المشاهد من مُسَلْسَل ( رَاشد بن شَاهِد ) : ( 1 ) ( رَاشد بن شَاهِد ) مواطن سعودي ، يعشق وطنه حتى الثّمَالة ، خَدم وطنه سائقاً في إحدى المؤسسات الحكومية ، برنامجه اليومي يبدأ قبل طلوع الشمس ، ولا ينتهي بغروبها ، اكتوى بلهيب الحَرّ ، ولسعة زمهرير البرد ! ( رَاشِد ) يقوم بواجبه لم يتأخر يوماً ، لم يَتَمَارض يوماً ، لم يتضجر يوماً ؛ رغم قلة راتبه الذي لا يسدّ جوع أسرته الكبيرة المكونة من أحد عشر فرداً ( والحَيْزبون أمهم ) ! ( 2 ) ( رَاشد بن شَاهِد ) كان يشاهد المسؤولين في إدارته كثيراً يجتمعون ، وبعد الاجتماعات يقبضون البدلات ، وكانوا يسافرون ثم يأخذون الانتدابات !! أما هو ( رَاشِد ) فمحروم منها رغم كثرة المهمات ؛ ولكنه كان قانعاً ، راضياً ، مسَالِمَاً ؛ والعَمل عنده مُقَدّسٌ فهو الأهم! ( راشِد ) لا يطيق نفاق المسئول والمجاملات ، ولا يكسَب من ركوب موجات الصراعات والتيارات ؛ بل لا يعرف من الكلمات إلا (حَاضِر أبشر) ! ( 3 ) هربت من عُمْرِ ( راشِد ) السنين ، جاءه التقَاعد يمشي على القدَمَين ، سقطت من راتبه كل البدلات ، وتفاجأ أنه بعد عناء تلك السنوات الطويلات ، لا يجد في تقاعده إلا عدة مئات من الريالات ، لم تتجاوز الألف وخمسمائة ريال ! يا الله ، ماذا أفعل قالها ( راشِد ) ، كيف أتصرف ؟! من أين أطعم تلك الأفواه ؟! من اين أدفع إيجار بيتِ يضمّ تلك الفِرَاخ ، نعم كَبُرَ بعض الأولاد ، تخرجوا من الجامعات ولكنهم مساكين ، فهم يقبعون في الدار ؛ لأنهم من فئة العاطلين ؛ مِن أين وأين ؟ قالها وهو حزين !! ( 4 ) أحسّ ( راشِد ) أنه قد أضاع السنين ، وكان قبل وبعد تقاعده من التائهين ؛ فقد بذل عمره في خدمة وطنه ، وكان جزاؤه الإهمال ، ( لا تقاعد يكفيه ، ولا سَكن يؤويه ، ولا تأمين طبي بعد الله يحميه ) ؛ سَمِع أن هناك ( جمعية للمتقاعدين ) ؛ فاكتشف أنها شَرفية للبعض، مهمتهم عَقد الاجتماعات ، وكثرة التصريحات ؛ وما فَات فَات !! ( 5 ) قَرّر ( رَاشد بن شَاهِد ) أن يعود غَصباً عن كبر سنه ومرضه للعمل من الفجر وحتى غياب القمر ، فأصبح يركب سيارته العجوز ( وَانيت دِدْسن غمارتين ) ، يستخدمها في إيصال الركاب هنا أو هناك مقابل بعض الريالات ، وهاهو يواصل درب الشّقاء ، في صراعات دائمة مع (سَاهر وإدارة المرور) الأعزاء !! ( 6 ) ( رَاشد بن شَاهِد ) فرح بالأوامر الملكية التي صدرت قبل أيام ، ومن بهجته وزّع التقاعد هدية على الأولاد والمَدَام ! قفز فرحاً فتقاعده سيتحول من ( 1500 ريال ) إلى (3000 ريالٍ ) ، بعد الأمر بوضع حَدٍّ أدنى للرواتب ؛ ولكن صدمه ( أمسِ ) تصريح وزير المالية بأن المتقاعدين من هذا القرار مستبعدون !! وهنا ركِب ( رَاشد بن شَاهِد ) ( دِدْسنه ) بعد أن أدرك أن المساكين من المتقاعدين محرومون ، ولابد أن يموتوا قَاعِدين !! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة . [email protected] فاكس : 048427595