ليس المطلوب أو المنتظر من الكاتب ، أن يتحول إلى أداة للتنفيس عن مشاعر الغضب والاحتقان التي يشعر بها الناس في اي مجتمع .. المطلوب من الكاتب هو التأسيس لوعي جديد يمكن أن يساهم في تغيير الواقع عن طريق الاعتماد على عامل واحد هو : التراكم . مسألة التنفيس عن مشاعر الغضب لدى جمهور القراء ، لا يمكن أن تساهم في بناء وعي جديد أو حتى في تطوير وعي مهترئ . الكتابة التي تهدف إلى التنفيس تتوجه إلى المشاعر مباشرة حتى وإن ظهر أنها تخاطب العقل .. وهو ما ينطبق تماما على النكتة التي تشجع الأنظمة القمعية على تأليفها وتداولها وانتشارها بوصفها أداة للتفريغ ليس أكثر . أما مهمة التأسيس لوعي جديد ، فتقوم على إرساء قواعد المنهج العلمي الذي يعمل أول ما يعمل على إعادة تعريف المفاهيم العامة المتعلقة بالحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية ، وفق ما يقتضيه العقل النقدي .. وعندما أقول العقل النقدي فإنني أقصد العقل الذي لا يمتلك قناعات مسبقة ، ولا يحيط الأفكار أو الأشخاص بهالة من القداسة ، ولا يقبل الخلط بين الشؤون الغيبية والشؤون الواقعية .. أي لا يسعى إلى إيجاد تفسير غيبي للشأن الواقعي الذي تتحكم فيه القوانين الطبيعية . كتاب وفلاسفة عصر التنوير في أوروبا سبحوا ضد التيار وعملوا على إرساء قواعد العقل النقدي متحدين كل أشكال الممانعة التي أبدتها الكنيسة والمجتمع على حد سواء . وكتاب عصر النهضة العربية التي لم يكتمل مشروعها لأسباب لسنا في حاجة إلى ذكرها الآن ، فعلوا الشيء نفسه . لقد بدأ عصر النهضة العربية على يد الشيخ جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده . ورغم انتماء الاثنين للمؤسسة الدينية ، فإن تهم التكفير والزندقة واجهتهما إلى أن توفاهما الله ، بسبب أفكارهما الإصلاحية ومنهجهما العصري الذي لم يعتمد على القراءات التراثية التي اكتسب صفة القداسة بفضل التقادم . الكتابة ليست فعلا يهدف إلى تفريغ شحنة الغضب ، وإنما عملية تهدف إلى الارتقاء بالوعي ، ومهمة الغرض منها إعادة الاعتبار للعقل ولأدواته . إذا تحولت الكتابة إلى أداة للتنفيس وحسب ، فاعلم بأن الكاتب يؤدي وظيفة مشبوهة . [email protected]