وليُسطِّر التاريخ أنه في يوم الجمعة الموافق 13/4/1432ه، الثامن عشر من مارس لعام 2011م، قامت أول ثورة فرح عالمية، ثورة انطلقت من أعماق شعب وفيّ خرج مهللاً مكبراً مجدداً ولاءه لمليكه المحبوب، إنها ثورة تروي قصة تلاحم شعب مع قيادته الحكيمة. نعم لقد خطط المرجفون لثورة أرادوها دامية سوداء كسواد قلوبهم، تفوح منها رائحة الخيانة العفنة والعصبية المنتنة، بنوها على الأكاذيب والأراجيف، والحقد الأسود القميء، وكان يوم جمعتهم التي تخيلوا فيها الحشود المؤيدة والهتافات المزيفة، ولكن كانت الصدمة المفاجئة، إذ لم يروا إلا جحافل الفراغ والسكون، تُقتِّل أطماعهم وترد كيدهم في نحورهم. في تلك الجمعة أثبت الشعب السعودي صغاره وكباره، شيبه وشبانه، رجاله ونساؤه، بأنهم على قلب رجل واحد، وهكذا انقلب السحر على الساحر. وجاءت جمعتنا التي انطلقت فيها ثورة الفرح، ولعلها أول ثورة فرح في التاريخ، ثورة فرح الشعب بمليكه وفرح المليك بشعبه، أرادها الأعداء ثورة حمراء دامية، فإذا هي ثورة بيضاء يفوح منها عطر الحب والوفاء. ثورة الفرح هذه رأيناها وشهدناها في الاحتفالات التي عمت أرجاء البلاد، فخرج الصغار والكبار، النساء والرجال، ووجوههم تتهلل فرحاً، وألسنتهم تلهج شكراً، بعد خطاب الملك الحكيم الذي خرج بنفسه ليشكر شعبه على هذه المحبة، وذلك التلاحم، في خطاب موجز مفعم بالبلاغة التي تمثلت في تلك العبارات الرقيقة والمعاني الصادقة، استمع إليه وهو يقول: (كم أنا فخور بكم، والمفردات والمعاني تعجز عن وصفكم، أقول ذلك ليشهد التاريخ، وتكتب الأقلام، وتحفظ الذاكرة الوطنية بأنكم بعد الله صمام الأمان لوحدة هذا الوطن، وأنكم صفعتم الباطل بالحق، والخيانة بالولاء، وصلابة إرادتكم المؤمنة). كما شهدنا ثورة الفرح هذه في مقالات الكُتَّاب التي أخذت كلماتها تتراقص طرباً، وتنتشي معانيها فرحاً، وطفق كل حرف فيها ينبض بالحب والولاء، والاستبشار بالخير.. وتجسّدت ثورة الفرح في استجابة بعض أصحاب القطاع الخاص الذين عبروا عن حبهم لمليكهم عن طريق الاقتداء به، فأعلنوا صرفهم راتب شهرين لموظفيهم. وثورة الفرح هذه هي تطبيق عملي لما بات ينادي به الملك عبدالله من مبادئ التسامح والحوار، نعم.. إنها ثورة الحوار التي كان عمادها الحوار المفتوح بين الشعب وقيادته، حيث أفضى الشعب بكل مطالبه واحتياجاته، واستمعت القيادة لكل تلك المطالب ودرستها دراسة متأنية متعقلة، فكانت النتيجة حزمة من القرارات التي تتضمن إصلاحات جوهرية، وتعالج مشكلات مفصلية، بلهجة تنم عن الصدق والعزم في تحقيقها، وفوق ذلك العمل الجاد والدؤوب ليتمتع بها الشعب من خلال إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، والتعيين المباشر لرئيسها، وربطه مباشرة بالمقام السامي. إن القرارات الإصلاحية لامست جميع ما يطمح إليه الشعب في شؤونه الصحية والمعيشية والسكنية، والقضاء على البطالة إلى غير ذلك من الإصلاحات التي أذاعتها وسائل الإعلام. ولكم أعجبني ذلك التوجيه الملكي الذي أذاعته صحيفة سبق الإلكترونية وأخذ الناس في تداوله، إذ جاء فيها: (علمت سبق أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمر بعدم استخدام كلمة «مكرمة» عند تناول أي قرار ملكي، أو أي قرار صادر من أي مسؤول في الدولة، بأي حال من الأحوال، وأبلغ الديوان الملكي قبل قليل رؤساء تحرير الصحف ووسائل الإعلام السعودية بهذا التوجيه الكريم). أي تواضع هذا..؟! وأي عدالة تلك، التي يُصحِّح فيها المليك مفاهيم وعبارات رأى أنها لا تتوافق مع منظومة حقوق الفرد، فأعلن أن هذه القرارات والإصلاحات إنما هي من حق الشعب، فالكل شركاء في موارد الدولة وعائداتها. فحيّاك الله وبيّاك يا صاحب القلب الكبير، والروح الشفافة والابتسامة الصادقة، الذي لن تنساه القلوب، ولن تكف الألسن عن الدعاء له.