ليس كل ما يحدث يُقال، وليس كل ما يُقال يُصدّق، هذه قاعدة إعلامية معروفة للقاصي والداني، ولكن الواقع -وليست الحقيقة- غير ذلك في هذا العصر الذي نعيش فيه. وإذا كانت هناك مسميات جديدة أصبحت تطلق على هذا العصر مثل: “عصر الفضاء المفتوح”، “العالم كالقرية الصغيرة”، فإنه قد أصبح أيضًا هناك طريقة جديدة يتبعها الإعلام والقنوات المفتوحة ومفادها: “لنقدم للمشاهد كل ما يرغب فيه، حتى نحصل على أكبر قدر من الجمهور”، وهذه القاعدة تنطبق فقط على المنافسة المحمومة والسعي وراء المادة، والحصول على أكبر حصة من السوق. إلا أن الإعلام ليس كذلك، بل هو أرقى من ذلك بكثير. إن الإعلام هو التنوير مع مراعاة المحافظة. ولنشرح هذه العبارة بشكل أوضح. مجتمعاتنا العربية تختلف اختلافًا جذريًا عن المجتمعات الغربية في أنها مجتمعات محافظة، تتمسك بالتقاليد والأعراف الأصيلة، وتحض على الترابط بين عناصر المجتمع. هذه هي القاعدة الأصيلة التي تربينا عليها. أما التنوير فهي صفة الإعلام التي يجب أن يتصف بها، وتتمثل في الارتقاء بالذوق العام، والحض على الفضيلة، وعدم نشر الفتن، وعدم المتاجرة بآلام الناس سعيًا وراء مكسب مادي. قد يقول قائل إن الناس تسعى وراء الحقيقة، وهناك اختلاف في هذه النقطة، حيث إن الإنسان بصفة عامة يمتاز بالفضول فهو يريد أن يعرف كل شيء، ما يقدر عليه، وما لا يقدر عليه. ولكن أقول إن هناك ما يدفع الإنسان إلى إخراج كل طاقته لتنمية مجتمعه، وهناك ما يحبط الإنسان ويدفعه إلى القيام بأمور تتنافى مع الذوق العام. والمثقفين وأصحاب الفكر واجبهم اختيار الصالح من الطالح. وهذا هو الإعلام. نتذكر سويًا قصة بني إسرائيل مع سيدنا موسى حين أمرهم أن يذبحوا بقرة، ولو ذبحوها لما شق عليهم ذبحها بعد ذلك، بل عادوا يسألون، ويسألون، وكلما عرفوا أكثر من صفاتها، صعب عليهم إيجاد هذه البقرة. ولنرى أيضًا مثالًا آخر من القرآن الكريم: “يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوؤكم”، وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان التنوير هو أساس العمل الإعلامي، فكيف نتعامل مع القضايا الاجتماعية، ومشكلات الناس التي تركز عليها بعض وسائل الإعلام سعيًا وراء المتاجرة بها، أقول إن المشكلات الاجتماعية يجب أن يخصص لها الكثير من المؤسسات الاجتماعية العامة والخاصة والتي تسارع إلى علاج المشكلات التي تنشأ في المجتمع كافة مثل الفقر أو الجهل، أو المشكلات الأسرية، أو خلاف ذلك. وهناك أمر آخر أحب أن أوضحه يتعلق بالسؤال التالي: ما الحقيقة التي تنشر؟ وأريد أن أقول إنه لا يجب علينا أن نتناول الحقيقة مجردة، بل يجب أن نعرف ما الذي أدى إليها، فالقرآن مثلًا نزلت آياته في مواقف معينة قد حدثت ولو أراد الله تعالى أن ينزله مرة واحدة لأنزله. وأقول كلمة أخيرة، لا يجب علينا كقراء أو مشاهدين، أو متابعين للشأن العام أن نقف على الأمور التي نسمعها كافة، بل يجب علينا أن نتأكد أن كل أمر يُقال، وراءه أهداف أخرى، وعلينا أن نعرف أن الهدف الأساسي من الوسائل الإعلامية التجارية كافة اليوم هو الكسب المادي، والفوز بأكبر نسبة من المشاهدين والقراء بقاعدة: “الغاية تبرر الوسيلة”، فعلينا الحذر جميعًا والانتباه، فأمتنا الإسلامية سامية غالية علينا لا يراد بها الخير ويقف لها المتربصون في الأركان المظلمة. إن في هذه الأيام بالأخص من يدس السم في العسل، ونحن نعرفهم تمامًا، يريدون التفرقة والعنصرية بين شبابنا المسلم، ويشجعون على التظاهر والخروج على ديننا وقيمنا وحضارتنا وتاريخنا، ولكن هيهات وأكرر هيهات تحقيق ما يدور في أذهان الحاقدين على استقرارنا وأمننا، لأن الله معنا ما دام نحن معه. يا شبابنا وشاباتنا، لقد انكشف عوار الفكر السقيم الذي يحمله دعاة الاعتصامات والمظاهرات هذه الأيام، فاعتصموا جميعًا بحبل الله وكونوا يدًا واحدة، ولا تتفرقوا ولا تستمعوا لأقوال ما يروجه أعداء الله ورسوله، واتحدوا جميعًا للتصدي لكل المحاولات الدنيئة التي تريد المساس بأمننا واستقرارنا، لأننا والله الكل يحسدنا ويتمنى ما عندنا عنده، فيكفي أننا نملك حاكمًا عادلًا حنونًا عطوفًا، همه أمن ورفاهية واستقرار وطنه وشعبه في قوته وفي مرضه وقيادةً رشيدة متطلعة دائمًا للأمام والمستقبل الزاهر إن شاء الله، نسأل الله تعالى أن يحفظ ولاة أمرنا، وهذه البلاد الطيبة وأهلها من كل سوء ومكروه، وأن ينعم علينا بنعمة الأمان والاستقرار، وأن يجمع قلوبنا ويكشف لنا أعداءنا، وأن ينصرنا على كل معتدٍ آثم إنه سميع مجيب الدعاء.