جميع الناس.. في جميع مجالات الحياة.. وعلى مّر عصورها.. وصولاً إلى عصرنا الحالي.. وابتداءً من كبير الشأن فيهم وانتهاءً بذاك الذي لا شأن يذكر له.. مشغولون بصناعة هالاتهم الشخصية.. التي يعكفون على أن تحمل كل أطياف البطولة.. وألوان طيب الأعمال.. والشمائل. ونحن لسنا ضدّ أن يأخذ كل ذي حق حقه. ولا أن يُعرف الشخص الصالح.. والبطل للناس.. بل نحن في أمسّ الحاجة إلى نماذج جيدة.. وإطلالات مشرقة لأصحاب البصمات المشرّفة.. والهالات التي تشع خيراً وعطاءً. لكننا بتنا في زمن اختلطت فيه الأمور.. وقفز فيه الأقزام إلى الأمام وخان الحظ أصحاب القامات العملاقة في العطاء والإنتاج الحقيقي، وامتلأت ساحات الدنيا بطوابير الناس الذين خرجوا إلى مساقط الأضواء يرفلون بهالات صنعوها بأيديهم وغزلوها غزلاً مبهرجاً ضاعت مع بريقه القدرة على تمييز الهالة الحقيقية التي شعت نتاج بطولة حقيقية وتاريخ مجيد.. وسيرة أضاءت بالعطاء دروب الآخرين، من هالة أخرى نسيجها الوهم والكذب والادعاء وبطولات وهمية لم تحمل سيفا طويلا.. ولم تركب حصانا أبلج ذا صهيل!!.. والسؤال الذي تحار عقولنا بحثاً عن إجابة له هو: لماذا اختلطت الأمور؟. وكيف تساوت القامات؟.. وكيف سهل الخداع وراج الزيف هذا الحد؟!. وأعتقد أن المسؤول الأوّل عن هذه الظاهرة غير الحميدة والكارثة التي تهدّد بسحق قامات العطاء الحقيقية وازدياد عدد القامات التي صنعها بهرج القول ونفشها كالطواويس!.. هو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.. والصحافة المقروءة التي تظهر لنا كل يوم ببطل جديد. كثيراًً ما ينتقيهم القائمون على هذه المنابر الإعلامية المؤثرة ويتكلفون صناعتهم. فأصبح كل من له صديق أو قريب في منبر إعلامي وجهاً مفروضاً على الناس.. وحكماً لا راد له!! وأصبحت المادة الإعلامية المقدّمة مكرّرة مملة لا جديد فيها ولا صدق. إننا للأسف الشديد نعيش في مجتمعات أصبحت تشجّع الإعلان عن وجود الأنا المريضة لأصحاب الهالات الزائفة!! وعزاؤنا الوحيد هو أن تلك الهالات الزائفة مهما تضخّمت وتلوّنت أطيافها الخادعة.. ما تلبث أن تنكشف وتذوي تحت وهج الحقيقة وتحت أي بؤرة ضوء مركّزة. فكم امتلأت المساحات من حولنا بمتشدّقين حفظوا كلامهم دون أن يعوه!! وكم ازدحمت بأبطال.. لا يعرفون الملاحم ولم ينزلوا الساحات.. وكم سمعنا متكلماً في علم أو في دين.. ليس له منهما سوى كلمات قالها.. وهو أبعد الناس عن تطبيقها والإيمان بها. وكم من معطاء.. عظيم الشأن.. رفيع القدر أهملته الأضواء.. فأضاء الدنيا بعلمه وعطائه.. ورسالته. لقد قيل.. ليس كل ما يلمع ماساً.. وهذه حقيقة.. ولكن أيضاً ليس كل ما لم يسقط عليه الضوء حجراً لا قيمة له. كذلك لا يعني أن كل من برز وذاع صيته لا يستحق ذلك.! إننا فقط نحتاج إلى جانب البصر الذي يرى.. بصيرة ترشدنا وتدلّنا إلى الحقائق لنعرف كيف نميّز بين الهالة الحقيقية والهالة المزيفة. ومن يستحق أن نصدّقه.. ومن تشدّقه مردود عليه!