كثيرا ما تهتم الأسر أن يكون هناك وقت للاجتماع العائلي ولا يخلو هذا الاجتماع من مشاهدة القنوات الفضائية، وحينما تلتف الأسرة من صغيرها إلى كبيرها لمشاهدة البرامج المفضلة يكدر صفو هذا الاجتماع إعلانات تجارية خُلع منها الحياء الأخلاقي فأصبحت تبث في الفضاء العربي بمشاهد لا تخلو من الإثارة الجنسية أو الحديث عن مواضيع حساسة وحرجة وقد تدعو هذه الإعلانات لطرح علامات استفهام كثيرة في عقول الصغار، إذ أن هذه الفضائيات لا تعبأ كثيراً بأمر المشاهد إنما تهتم كثيرا للربح المادي من وراء هذه الإعلانات فقانونهم “الغاية تبرر الوسيلة”، “الرسالة” فتحت ملف الإعلان التجاري في القنوات الإعلامية وما هي أسباب انتشار الإعلانات المسيئة للذوق العام وما هو دور المشاهد في هذه الحلقة، وكيف يمكن للمجتمع الحد من مثل هذه الإعلانات؟ وغيرها من المحاور في ثنايا هذا الموضوع : فضاء بلا قانون يبتدر أستاذ الإعلام بجامعة أم القرى الدكتور أسامة حريري بإبانة أن أزمة الإعلان هي جزء من أزمة الإعلام ويقول: كلاهما جزء من أزمة فضاء بلا قانون، حيث قواعد الاتصال بين أطرافه يحكمها وينظمها من يمتلك القوة، وإذا كانت هناك إعلانات تجارية تخالف الذوق والحياء العام، فتلك ليست جريرة وجريمة المؤسسة التي طرحت الإعلان في وسائل الاتصال الجماهيرية، بل هي جريمة وخطأ من ترك الحبل على الغارب. وأضاف حريري أن هناك عنصرين لالتزام أي مؤسسة إعلامية، وقال: التزام أي فرد أو مؤسسة بحقوق الآخرين في عالم الاتصال سببه عنصران: الأول : إيمان داخل الفرد ليحترم به حق الآخرين، والثاني: نظام صارم يلزم الفرد بأن “يتوقف” في نهاية حدود حقوقه التي تبدأ عند دائرة حقوق الآخرين. وحدود حقوق كل فرد ومؤسسة هي الحواس الخمس، فإذا كان الواقع الفضائي يشير إلى عدم احترام بعض المؤسسات الإعلانية والقنوات الفضائية بحدودها وانتهاكها لحدود الآخرين؛ فإن سبب ذلك يعود إلى “غيبة” النظام القضائي، الذي يعاقب من يتجاوز حدوده، وينتهك حدود الآخرين، فيجعلهم يرون ما لا يردون رؤيته، ويسمعون رغماً عنهم مالا يريدون سماعه. هذه التجاوزات تحدث رغم وجود الميثاق الإعلامي، حيث توصل وزراء الإعلام العرب بتاريخ 12/2/2008 إلى مسودة وثيقة نعتوها بالشرف حول القنوات الفضائية العربية، وهي مكونة من اثني عشر بنداً ولقد نص البند الرابع على ضرورة الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي، والامتناع عن بث كل ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية، والامتناع عن بث وبرمجة المواد التي تحتوي على مشاهد أو حوارات إباحية أو جنسية صريحة، فإذا كان القانون ينص على عدم صحة ما تفعله بعض المؤسسات والفضائيات من انتهاك لحقوق الأفراد في بثهم لمشاهد تحتوي على مشاهد وحوارات إباحية جنسية صريحة؛ فهذا دليل على عدم تفعيل هذه القرارات التي تصدر عن المؤسسات العليا التي هي بمثابة مظلة لحماية حقوق الأفراد. ونظراً لغيبة أداء هذه المظلة العليا بدورها؛ حصل الانتهاك لحقوق الأفراد، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. الإعلان بدون نظام من جهة أخرى يوضح الإعلامي المعروف الدكتور مالك الأحمد أنه لا يوجد في السعودية نظام يُقنن الإعلانات التجارية وقال: لا أعلم أن هناك نظاما يقنن الإعلانات التجارية من جانب المصداقية ومن جانب الذوق، كما أن هناك جزءا مهما وهو الجانب العام لكل وسيلة إعلامية وهذا جزء من سياسة الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام، فلا يوجد نظامٌ خاص للإعلانات وإنما يُتعامل بإطار الأخلاق العام الذي يحكم الصحيفة أو القناة التلفزيونية أو أي وسيلة إعلامية أخرى. واقترح الأحمد طريقتان للحد من الإعلانات التجارية المسيئة للذوق العام فقال: أقترح سن تشريعات تخدم هذا الأمر بالحد من الإعلانات المسيئة، ويتم سن التشريعات من خلال الضغط على الجهات التشريعية وما شابهها في البلدان العربية، بأن يكون هناك تشريع خاص وقوانين صارمة تحكم الإعلانات وهذا للأسف موجود في الغرب لكنه ليس موجود لدينا، فهناك يمكن للشخص المتضرر أن يشتكي لأن هناك مصداقية وتشريعات قانونية وهم دقيقون في إعلاناتهم بسبب المحاسبة القانونية، والأسلوب الثاني للحد من انتشار الإعلانات المسيئة هو عن طريق المتأثرين من الإعلان وهم عامة الناس وذلك من خلال الضغط على القنوات والجهات التشريعية لاتخاذ موقف صحيح لأجل حماية حقوق المستهلك، ونحن ليس لدينا للمستهلك حقوق ولا واجبات في هذا الجانب. ونفى الأحمد وجود وثيقة إعلامية تلتزم بها الفضائيات فقال: لا توجد وثيقة إعلامية في جميع الفضائيات العربية تلزمها إعلاميا فضلا على الجانب الإعلاني، والموجود هو ميثاق الشرف بين وزراء الإعلام العربي لكن عليه ملاحظات وفيه ثغرات وهو ليس ملزماً قانونيا لكل الفضائيات، بل إن بعض القنوات تبث من أقمار مختلفة سواء أوروبية أو آسيوية فلا يمكن إلزامها بالجانب الإعلامي فضلا عن الإعلاني، وبعض الجهات الإعلانية تصمم الإعلان الواحد بعدة قوالب ليسهل نشره بحسب توجه القناة، فإن كانت القناة محافظة أو محلية يختلف الإعلان عن القناة الأكثر انفتاحاً، فالذي يحكم الإعلان التجاري هو طبيعة القناة الفضائية والإطارات التي تحكمها. المعايير الأخلاقية وبدوره يؤكد عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور سعود كاتب وجود إعلانات رخيصة يتم بثها في بعض القنوات بالإضافة إلى استخدام النساء بطريقة جدا رخيصة وقال: سبب انتشار مثل هذه الإعلانات أن القنوات الفضائية تهتم كثيراً بالربح المادي وليس لها معايير أخلاقية، كما لا توجد جهة لما ينشر من الإعلانات تراقبها، ففي الغرب هناك جهات تقاوم وتراقب الإعلانات المسيئة وعندما تنتشر مثل هذه الإعلانات تتصرف بشكل قانوني من خلال المساءلة، لكن حينما لا توجد جهات رقابية تقاوم مثل هذه الإعلانات فهي تنتشر، ووزارة الإعلام للأسف الشديد لا تتدخل في هذا الموضوع لأن هناك قنوات فضائية من خارج المملكة، بل توجد في أمريكا منظمات نسائية تحارب استغلال المرأة بشكل سيء وسلبي في الإعلانات التجارية حيث لوحظ أن كل إعلان لابد أن تكون المرأة طرفاً فيه بلبس يميل للإغراء وتقوم بحركات غريبة وغير ملائمة للإعلان عن السلعة المعلن عنها من خلال الإثارة الجنسية في هذه الإعلانات التجارية. وشدّد كاتب على أهمية وجود مؤسسات رقابية فقال: الإعلانات تكون في قنوات تلفزيونية وتتم بطريقة تطفلية، فمثلاً حينما يُشاهد الفرد القناة يأتي الفاصل الإعلاني بطريقة مفاجئة وبالتالي لا يملك المشاهد طريقة للحد من الإعلانات المسيئة لكن يستطيع فقط الاحتجاج ورفض الإعلان، كما أنه يستطيع الضغط على القناة من خلال الاحتجاج والتواصل مع القنوات لأن القناة لو علمت أن المشاهد يرفض هذا النوع من الإعلانات حينها يمكن أن تُغير من توجهاتها، فالمشاهد هو الحلقة الأضعف هنا إلا إذا أراد أن يتحرك، فنحن نريد مؤسسات تهتم بالإعلانات التجارية وتراقبها من وجهة نظر أخلاقية وخاصة أن هذا الجزء مفقود عندنا، والقنوات الفضائية عليها مسؤولية لكن لا اعتقد أن القنوات الفضائية ستقوم بهذه المسؤولية لأنها ستكون المتضرر الأكبر منها.