· قديماً قالت العرب أن للسفر سبع فوائد .. و لعل في هذا شيئا من الصحة .. ففي السفر تفريج هم، واكتساب معيشة، وعلمٍ، وآداب وصحبة ماجد .. لكن محدثكم ( العبد لله ) اكتشف مؤخراً فائدة ثامنة للسفر ، غير أنها و لشديد الأسف حكر على بعض السعوديين المنتسبين لسلك التعليم ، حيث يمكنهم وبكل بساطة أن يصبحوا في عداد ( المليونيرات) خلال سنوات قليلة ؛ وبأقل مجهود .. فلكي تصبح معلماً مليونيراً يجب أن تكون أولاً صاحب واسطة ( تشق الوجه ) لكي يتم انتقاؤك من بين مئات الآلاف من زملائك للتدريس بالخارج ، ثم عليك أن تكون ذكياً في اختيارك للبلد الوجهة ، الذي يفضل أن يكون بلدا لا تصله الخطوط السعودية .. وهذا كاف ٍلأن تأتيك الأموال طوعاً لا كرهاً .. فنظام الإيفاد يمنحك أنت ومن تُعيل تذاكر درجة أولى ( فيرست كلاس) للسفر على أي شركة طيران عالمية .. فإن كان عدد أفراد عائلتك ثمانية أشخاص مثلاً ، فستحصل على تذاكر تتراوح قيمتها بين 200-300 ألف ريال ، وهنا تظهر شطارتك .. بأن تخفض الدرجة - كما يفعل معظم الموفدين- لتحصل على مبلغ محترم لا يقل عن 200 ألف ريال عداً و نقداً ، إن أنت أحسنت التدبير . · المدهش والمؤلم في آن معاً ، انك لو ضربت الرقم السابق في عدد الموفدين لمدرسة سعودية واحدة فقط ، ثم أضفت إليه ميزانية المدرسة التي لا تقل عن مليون ريال سنوياً .. بالإضافة إلى بدل السكن و العلاج ، ناهيك عن زيارات المشرفين وكبار المسئولين الشهرية وحفلاتهم التي تشبه ليالي ألف ليلة وليلة .. لظهر لك رقم صادم من المال المهدر على مدرسة لا يزيد عدد طلابها في الغالب على 200 طالب .. أما إن بلغت بك الجرأة أقصاها و سألت لماذا لا يتم إلحاق هؤلاء الطلاب بأفضل المدارس العالمية في تلك الدول؛ وتوجيه تسعة أعشار هذه المبالغ الضخمة لبناء مدارس داخل الوطن .. فسأقول لك أن الأمر لن يخرج عن استنتاجين لا ثالث لهما ، فإما أن المسئولين لا يثقون بتلك المدارس العالمية، و يسعون إلى تصدير التعليم السعودي( الف ....ذ) إلى كل أصقاع الأرض .. أو أنهم يطبقون مبدأ المثل الشعبي المصري « اللي عنده قرش ومحيّره ، يجيب حمام ويطيّره «. · و قبل أن يسارع احد مسئولي الإدارة العامة للمدارس السعودية بالخارج فيتهمني وإياك بالحسد؛ وقطع الأرزاق دعنا نقل لهم : لا لوم ولا تثريب عليكم .. فالمسألة و كما يبدو فرصة لابد من اغتنامها .. لكننا بالمقابل نتساءل : أليس من حق آلاف المعلمين الذين لم تسمح ظروفهم بالسفر ، و الذين يقطع بعضهم مئات الكيلومترات يومياً بسياراتهم الخاصة لتعليم أبناء الهجر والقرى ، أو الذين يُجلدون كما تُجلد غرائب الإبل داخل المدارس المستأجرة التي لا تتجاوز ميزانيتها (10 ) آلاف ريال ؛ هي ريع بيع (الساندويتشات )على الطلاب أن يحصلوا ولو على الحد الأدنى من تلك المميزات والهبات . · ليس من العدل أبداً أن تتمتع ثلُة قليلة من المعلمين السائحين في أجمل بلاد الله بكل هذه المميزات .. بينما لا يحصل المعلم المرابط على ثغور التعليم داخل الوطن على بدلِ للسكن ، أو مجرد تخفيض بسيط لسعر تذكرة طيران للعلاج في مصحة ( شهار) ؛ وهو المهدد بالإصابة بالعلل النفسية ؛ و بفقدان السمع والبصر في كل لحظة. · أبناء السفراء والدبلوماسيين ليسوا أفضل من أبنائنا في شيء ، والمعلم المجاهد في الهجر والقرى لا يقل شأناً ولا أهمية عن زميله الموفد إن لم يكن أفضل .. فاعدلوا يرحمكم الله .. فذلك اقرب للتقوى . [email protected]