الأسلوب الدموي البشع الذي سلكه نظام معمر القذافي في التعامل مع انتفاضة شعبه كان مفاجأة لكثير من الذين تابعوا الانتفاضات الشبابية والشعبية في كل من تونس ومصر من قبل. لم يتصوروا أن تصل الأمور لأن يوجه ذلك النظام الوحشي أفواه المدافع، ووابل الرشاشات، وقنابل الطائرات لكي تنهمر على رؤوس المواطنين، وتمزق صدورهم. أو ليستقدم كذلك المرتزقة لتقتل وتفتك وتزهق أرواحهم. ولكن آخرين كثر – في المقابل – لم يفاجأوا بذلك. فهم يعلمون أنه سلوك وأسلوب معظم الطغاة والدكتاتوريين، حين التعامل مع شعوبهم عند بارقة أي اعتراض، أو تحدٍ، أو انتفاضة ضد النظام والكرسي. لقد فعل ذلك صدام حسين، قبل القذافي، عندما أباد مواطني بلاده في حلبجة بالسلاح الكيماوي، وأحرق نيرون روما في العصور التاريخية السحيقة. وفعل مثلهما كثير من الطغاة ما بين تلك العصور، وعلى مدى تقلب الأزمان. ولما كان الإعلام للدول بمثابة اللسان للمرء، فيظهر أخلاقه وثقافته ومكنوناته، فقد أظهر إعلام القذافي مدى التخلف الفكري والأخلاقي للنظام في التعامل مع مواطني بلاده. فمن تابعه يدهش لذلك النهج البالي الذي أعاد للأذهان الإعلام الذي صممه ''جوبلز‘‘ لألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. فقد استخدم في البداية أسلوب التهديد للمواطنين بالتنكيل والقمع بالقوة الشديدة والدمار إن لم يستقيموا. وهددهم بأن ما وقع من قتل وإراقة دماء هو قبل أي استخدام للقوة. ثم وصف الثوار بأنهم جرذان وصراصير. واتهمهم بأنهم مغيّبو العقل لتعاطيهم حبوب الهلوسة، وأنهم أطفال على آبائهم تأديبهم. ثم عزف على الوتر القبلي، وادعى تفرق القبائل وتشتتها، وضياع الوحدة حين سقوطه. وما نزول العقيد بنفسه في المظاهرات المفتعلة إلا توضيح لمدى سخافة وسذاجة الخطاب الإعلامي المتهالك. لقد كشف للناس مدى تخلف وهمجية أولئك القادة ومدى ضحالتهم الفكرية والإنسانية والإدارية. إنه نظام ليس من هذا الزمان، وليس جديراً بأن يكون فيه. 6999792: فاكس [email protected]