تجد منطقة الشرق الأوسط نفسها أمام مرحلة جديدة تمامًا، بعد رياح التغيير التي هبّت في تونس ومصر، وفي ظل تداعيات هذين الحدثين إقليميًّا ودوليًّا، كنتيجة لتطورات دراماتيكية، عكست حِراكًا سياسيًّا غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط، تقتضي بالضرورة نظرة جديدة على الإقليم، وقراءة جديدة لواقعه، ورؤية جديدة لمستقبله، تمامًا كما تقتضي امتلاك أدوات عمل جديدة تستطيع التجاوب مع المتغيّرات، والتغلّب على التحديات، وتبني سياسات وإستراتيجيات بوسعها استيعاب تلك التطورات، واستخلاص الدروس والعِبر منها، والقدرة على استشراف ما يمكن أن تفضي إليه من نتائج لا يمكن تجاهلها، أو التقليل من حجمها، وكيفية التعامل مع تلك النتائج بطرق آمنة تحقق مصلحة المنطقة، وتحمي مكتسباتها، وتعزز أمنها واستقرارها. المنطقة بأسرها أصبحت أمام انعطافة تاريخية هامّة تضعها أمام مشهد لحالة غليان تظهر في أكثر من بلد عربي، وتضع النظام العربي بكامله على المحك، في اختبار شديد الصعوبة، لا ينبغي أن يحتمل الفشل، ما يؤكد ضرورة النجاح في صنع أدوات التغيير التي تمكن من اجتياز هذه المرحلة بأمن وأمان -وهو ما يقتضي درجة عالية من الوعي بأهمية تلك المرحلة وخطورتها، واتّخاذ كل ما من شأنه التعامل بحكمة وتعقّل مع مستلزماتها-، والعمل على تعزيز التلاحم بين الحكام والمحكومين في إطار الوحدة الوطنية، وقنوات الحوار المفتوح التي تتيح الاستماع إلى الشباب، والإصغاء إلى ما يدور في رأسه من آراء وأفكار، باعتباره هو المحرك الرئيس لعجلة التنمية، وتحقيق تقدم المجتمع، والصمام المعزز للأمن والاستقرار الذي يحقق آمال المواطن وتطلعاته نحو المستقبل الذي يحلم به. ما حدث في مصر وتونس، وما يحدث الآن في دول عربية، وغير عربية في المنطقة، يؤكد من جديد على ضرورة فهم طبيعة التغيّرات الحاصلة، والاستماع إلى مطالب الأجيال الجديدة، وما تحمله من آمال وطموحات. فقد برهنت التطورات الإقليمية الأخيرة على أن مَن خرجوا مطالبين بالتغيير كان يكفيهم بعض الإنصات لمطالبهم، ومناقشتهم، والإجابة عن تساؤلاتهم المشروعة بشأنها.