ما حدث في مصر خلال 18 يوما فقط يؤكد على أن حسابات الحركة والسكون في تاريخ الأمم ، لا تقدر بما هو متعارف عليه في الحالات الفردية . الأمم يمكن أن يمر عليها مئات السنين ، دون أن تغادر مواقعها في قطار التاريخ . في نفس الوقت فإن الأمم يمكن أن تتعرض لحالة صحوة مفاجئة ، تزيل على إثرها آثار الماضي ، وتردم الفجوة التي تفصلها عن الحاضر وتمهد الطريق إلى المستقبل ، في ظرف أيام معدودات . هكذا وبدون سابق إنذارات .. تحشر الأمم نفسها داخل عربة قطار التاريخ بعد أن كان الظن ، كل الظن، أن القطار قد فاتها. وحدة الزمن بالنسبة للأمم تختلف عن وحدة الزمن التي تحكم حياة الأفراد . الأمم الحية حتى ولو ظن الجميع أنها تتعرض لحالة وفاة دماغية وأنها ترقد داخل غرفة العناية المركزة، يمكن أن تنام لمئات السنين لكنها قد تستيقظ في لحظة فاصلة واحدة. يوم الشعوب هو بمائة سنة مما يعدون، وما فعله الشعب المصري خلال ثمانية عشر يوما أثبت أن علم الحساب والمنطق لا يمكنهما أن يحلا المعادلة وليس في استطاعتهما تقديم استنتاج أو تحليل ولو تقريبيا، عن حركة الشعوب التي تصنع التاريخ . لقد استطاعت مصر في ظرف ثمانية عشر يوما فقط أن تدخل عهدا جديدا قائما على الديمقراطية وحقوق الإنسان ورفض التمييز وإعلاء قيمة المواطنة، بعد أن ودعت وإلى الأبد عهد (الجمال) و (البغال) و (الخيول) . وهو ما لم يكن ينتظره أكبر المتفائلين بشأن التغيير ، وأكبر الكارهين لمخطط أراد أن يعيد للدواب دورها المحوري في حياة البشر. اليوم لم يعد بالإمكان التراجع ، ولم يعد هناك مكان للتقهقر . لقد صنعت مصر زمانها القادم بدماء أبنائها . التوقيت المحلي في القاهرة أصبح يشير إلى الحرية .. والحرية زمن إذا ما حل فإنه لا يمكن أن ينقضي أو يتراجع إلى الوراء . لقد صنعت مصر زمنها ، فتحلّقوا يا مواطني العالم أمام أجهزة الراديو والتلفزيون ، واحرصوا أن تضبطوا ساعاتكم على توقيت القاهرة لتستمعوا إلى بيان التاريخ رقم 1 . إنه لن يكون بمثابة عملية انقلاب على التاريخ ، وإنما عملية تصحيح لمساره . [email protected]