تناقلت وسائل الإعلام قصة الفتاة التي سقطت في بئر ارتوازية، وقد كانت تسير مع قريباتها وكانت تنادي عليهم طلباً للإنقاذ, لم نكن جميعاً قرب الحدث، ولكن وسائل الإعلام جعلتنا كما لو كنا معهم في كل لحظة, صور رجال الدفاع المدني ومسؤوليه وهم يتحلّقون حول البئر لا حول لهم ولا طول، وكأن هذه الحادثة هي الأولى في كيفيتها، نقلتني هذه الحادثة والتحلّق حولها لقصة مشابهة عاينتهاقبل أكثر من عقدين من الزمن. فقرب محطة محروقات وقفت سيارة نزل منها طفل صغير لشراء حلوى من البقالة الملاصقة لمحطة المحروقات، وكأنه تجاوز مكان البقالة ففُقد عن الأنظار، وإذا به قد هوى في بئر ماء ارتوازية لم يكن وبكل أسف مغلقاً، وصلت فرق الإنقاذ وتحلّقت حول فتحة البئر ونفس النتيجة لم تكن هنالك وسائل إنقاذ مناسبة لهذه الحالة، والنتيجة إخراج جثة الطفل بكلاليب لو غرزت في جسد لقطعته، وسلم لوالده جثة هامدة! وها هي القصة تتكرر والمشهد واحد, فتاة تسقط في بئر ارتوازية مشابهة للمكان الذي سقط فيه ذلك الطفل والذي لو شاءت إرادة الله أن يعيش لكان بسنّ فتاة البئر. فتاة البئر عند سقوطها كان حولها أخريات نادتهن لإنقاذها، ومع ذلك لم تنس طفلها الرضيع، فقد كانت توصيهن به، انقطع صوتها, ثم انقطع نفسها رحمها الله, ربما تحللت جثتها والدفاع المدني برجاله ومعداته غير المجهزة لمثل هذا الحدث يتحلّقون حول البئر، أحد عشر يوماً استنفدوا كل إمكانياتهم! بل يقولون إنهم استعانوا بشركات عالمية لإنقاذها، تبيّن أن معداتها غير جاهزة! ولا أدري هل كانت شركة عالمية في الإنقاذ أم في الهدم والبناء؟! وأخيراً وبعد أحد عشر يومًاتم انتشالها من بئر ارتوازية عمقها نحو خمسين متراً وقطرها أقل من نصف متر!! كما انتشل ذلك الطفل قبل أكثر من عقدين، وإن كان للتاريخ أقول إن الطفل انتشلت جثته في نفس اليوم!! ترى .. كم حادثة وقعت غير هاتين اللتين عاصرت واحدة منهما، وشاهدت كغيري الأخرى من بعد؟! لاشك أنها بالمئات وأرجو أن لا تكون أكثر من ذلك. ترى .. ماذا فعل الدفاع المدني؟ لا أقول خلال الميزانيات الماضية، بل في خطط التنمية الخمس الماضية؟ ألم يوفر بعد وسائل إنقاذ مناسبة؟ ألم يوفر كوادر مهيأة تتعامل بمهنية مع هذه الحوادث؟! إنه تساؤل أقوله باسم فتاة البئر وذلك الطفل، وهما اللذان قضيا نحبهما ولم يتم إنقاذهما, بل أرفعه باسم غرقى سيول جدة العام الماضي وأمطارها هذا العام، للقائمين على وضع خطط الدفاع المدني وميزانياته! ترى.. أليست المحاسبة التي وجّه بها خادم الحرمين الشريفين –يحفظه الله- يجب أن تُطال من قصَّر في تحديد الاحتياج وقصَّر في طلب توفيره..؟! فقد قال مليكنا من قبل -أعاده الله سالماً معافى-: (لا عُذر لمُقصّر بعد اليوم).. هذا وبالله التوفيق. م. خليل عبدالعزيز الحجيلي – المدينة المنورة