«شهادة المجاملة» في القضايا او المسائل المعروضة على المحاكم..هل تعد «شهادة زور»، وهل يقع «شاهد المجاملة» لصديق او زميل عمل او جار أسرة تحت طائلة النظام رغم حسن نيته، وأنه اراد فقط «المجاملة» او «القيام بالواجب» او «الفزعة»؟ ومتى تكون هذه الشهادة مشروعة ونظامية ولا ينطوي عليها أي آثار قانونية، ومتى تكون محرمة شرعا ومجرّمة نظامًا ؟ ظاهرة «شهادة المجاملة» ظاهرة مجتمعية بدأت تتفشى أمام المحاكم، وتطلّ برأسها بشكل ملفت للنظر،وقد يقع فيها «البعض» بحسن نية، أو تكون «مكيدة» لشخص ضد آخر، وان هناك من يريدون «مجاملة» شخص على حساب الاخر ب «الشهادة»، وقد يلجأ اليه بعض المحامين للادعاء لطرف دون آخر او لتعطيل دعوى صاحب حق، او لتدبير مكيدة لكسب قضية دون وجه حق، وهناك من يقفون أمام ابواب المحاكم يعرّضون أنفسهم للإدلاء بالشهادة مقابل مبالغ مالية، دون معرفة المدعي أو المدعى عليه. والسؤال هل «شهادة المجاملة» تعدّ من شهادة الزّور وما هو الحكم الشرعي فيها ؟ وهل توقع بصاحبها تحت طائلة النظام؟ في البداية حذّر سماحة المفتي العام رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ من كتمان الشهادة قائلاً: من شهد على أمر شهادة بيّنة، عليه أن يقوم بالإدلاء بشهادته لإقرار الحق لأهله، وحذّر من شهود الزّور الذين يضيّعون حقوق الناس بالباطل، وأكد على أن يشهد الانسان بما رآه وما عرفه يقينًا. وطالب المحامون بالصدق في الدعاوى التي يرفعونها، ولا يكونون أدوات للظلم وأكل الحقوق بالباطل، والقضاة بالحكم بالعدل في الدعاوى التي ينظرونها، وأن يدقّقوا ويمحصوا في الأوراق ليحكموا عدلاً وصدقًا، وأن يتقوا الله في الخصوم، ويراقبوا الله عز وجل وحده، لأن القضاة ثلاثة اثنان منهم في النار وواحد في الجنة. وقال المستشار القانوني وخبير النظم الشيخ حمود الناجم الهجلا: إن الشهادة مشتقة من «المشاهدة»، والمعنى ان الشاهد يخبر عما شاهده ورآه وعلمه، و «الشهادة» شرعا فرض عين على من تحمّلها متى دعي إليها لقوله تعالى «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه»، فيجب على الشاهد ان يكون على علم بما يشهد به، فلا يحلّ له أن يشهد الاّ بما يعلم لقوله تعالى «.... الاّ من شهد بالحق وهم يعلمون»، وفي حديث بن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة فقال:(ترى الشمس؟ ) قال: نعم، قال (على مثلها فاشهد أو دع). واضاف الشيخ الناجم قائلا: ان هناك ستة شروط يجب توافرها في الشهادة وهي: البلوغ «فلابد ان يكون الشاهد بالغا، فلا تقبل شهادة من الصبيان الا فيما بينهم»،والعقل فلا تقبل شهادة مجنون او معتوه، والكلام فلا تقبل شهادة الأخرس، لان الشهادة يعتبر فيها اليقين، والاسلام وهناك تفصيلات كثيرة حول شهادة المسلم وغيره، والحفظ فلا تقبل شهادة المغفل والمعروف بكثرة السهو والنسيان، والعدالة وهي اساس الاستقامة. وعن الذين يتبرعون بالادلاء بشهادات في دعاوى لم يشاهدوها قال المستشار الناجم: ان هؤلاء شهاداتهم كاذبة ومردودة، لأنها قائمة على الزّور والبهتان، وللقاضي اذا اكتشف أمر شاهد الزّور وفضح حاله أن يعزّّره ويؤدبه ويطبق عليه النظام، لخطورة شهادة الزور على العدالة. وهل يستطيع القاضي اكتشاف شاهد الزور قال الشيخ حمود الناجم: الاصل ان الشاهد عندما يقف أمام القاضي للادلاء بشهادته تتم مناقشته للوقوف على الحقيقة، وصحيح الشهادة، وصحة ما يشهد به الشاهد،، لانه لابد ان تكون الشهادة متفقة مع الحيثيات والوقائع الموجودة في الدعوى. واضاف الشيخ الناجم انه ليس من السهولة اكتشاف شاهد الزّور المحترف الذي أتقن دوره، ولذلك فان النظام قد كفل للطرف الآخر في الدعوى مناقشة الشاهد والشهادة، والرّد على مضمون ما شهد به هذا الشاهد، فيقوم القاضي بتعديل الشاهد شرعا. وأشار الشيخ الناجم الى ان شهادة الزور وشهداء الزّور موجودين، ولكن لم يصل الامر الى حد الظاهرة للعيان، وهؤلاء من ضعاف النفوس ويستغلون استغلالا سيئا. وأكد الشيخ حمود الناجم على ان شهادة المجاملة لا تعفي «الشاهد» من المسؤوليات التي تترتب عليها، اذا انطوى عليها اي شيء مخالف، مطالبا أي شخص يطلب للشهادة بأن يشهد بما رآه وسمعه يقينًا، ولا يكون هناك مجاملات في الشهادة أمام المحاكم، لان ذلك يوقع صاحبها تحت طائلة الأنظمة. وحول شهادات المجاملة من أشخاص يكونون موجودين في المحاكم،لا تربطهم أي صلة بالمشهود له،وهل تترتب عليها مساءلات قانونية قال المحامي والباحث في الشؤون القانونية مفلح بن حمود الأشجعي: إن على كل شخص اتخاذ الخطوات اللازمة ليحمي نفسه حتى يمكن حمايته قانونيًا من بينها التأكد التام من حقيقة ما يشهد به أمام القضاء حماية لنفسه من الغرر والخديعة ومن ثم تجنب المساءلة واتهامه بشهادة الزّور،أي أن حماية القانون لأي شخص إنما هي نسبية وليست مطلقة، وقمة العدالة أن يحمي الإنسان نفسه من أية مساءلات، نقطة أخرى هنا نودّ الإشارة إليها وهي أن على القاضي توجيه أسئلة مباشرة للشاهد أو الشهود لاستطلاع حقيقة معرفتهم التامة بالمشهود له أو لها، فالتبصّر هو فضيلة عليا تتمثل في مقدرة القاضي على استخدام فراسته للوصول إلى الغاية الحقيقية المنشودة من الشهادة التي يترتب عليها في الغالب انتزاع الحقوق أيا كانت هذه الحقوق وقال الأشجعي بالإشارة إلى أن القاضي يحكم عادة بناء على حقيقة القانون دون أن يكون على علم حقيقي بالحقيقة الواقعية،وشهود الزّور هم حتمًا من ضحايا العدالة. واضاف الاشجعي أن الشهادة من وسائل الإثبات المعترف بها شرعا متى كانت موصلة للمبتغى،وتعد من الأدلة المباشرة التي يحكم بها القاضي متى اقتنع بعدالة الشهود،ومن أهم شروط الشهادة العدالة،وهذه اختلف العلماء في معناها فمنهم من قال هو من يجتنب الكبائر ولا أعتاد على ارتكاب الصغائر ومنهم من اعتبرها الهيئة الملازمة للإنسان بأن ينظر لحال الشاهد مع ربه ثم مع الناس،ويشدد الفقهاء على انه يجب على القاضي التحري عن الشهود في الحدود والقصاص، وفيما عدا ذلك فيكتفي بظاهر حالهم بعد تزكيتهم من المقربين منهم، إلا أن الراجح من أقول أهل العلم أنهم أوجبوا على القاضي عدم الاقتصار على ظاهر العدالة بل أوجبوا عليه التقصي التام عن الشهود، ضمانا للحقوق وضمانا لانتفاء موانع الشهادة المتعارف عليها شرعا. وقال المحامي والقانوني فيصل المشوح للاسف الشديد ان هناك من يقعون في الخطأ بحسن نية، ويقبلون «مجاملة» الادلاء بشهادة لاشخاص تربطهم بهم صلة، دون ان يعرفوا حقيقة الدعوى، فقد تكون قضية ميراث ويترتب على هذه الشهادة حرمان بعض الورثة أو غير ذلك. وفرّق المشوح بين التعريف بصاحب المسألة وبين الشهادة، فقد يطلب من صاحب مسألة من يعرف به، ويكون الشخص يعرفه فهذا لا شيء فيه، اما الشهادة وما ينطوي عليها من حقوق وأحكام فالشرع والنظام يوجبان على الشاهد ان يشهد بما رآه وما سمعه يقينًا، وان كان شاهد وسمع يقول إنه شاهد وسمع، وان كان سمع فقط يقول إنه سمع فقط. وحذّر المشوح من تطوّع البعض بالادلاء بشهادات مجاملة لصديق او زميل او بمقابل،وهم لم يروا الواقعة ولا يعرفون بها، وحفّظوا شهاداتهم من قبل صاحب الدعوى فهذه كلها تقع تحت طائلة شهادات الزّور ولا يعفى صاحبها من المسؤولية.