لم تعد النوافذ مغلقة بين الأجناس التشكيلية المختلفة، فبفضل التجارب الفنية الحديثة أصبح من المألوف أن تخترق الأنماط التشكيلية على اختلافها مساحة اللوحة، مقدمة “كولاجًا جماليًا” تظهر فيه قدر الفنان على المواءمة بينها.. ومن هذا النافذة أطل الفنان التشكيلي نهار مرزوق بمعرضه “ترانيم الحروف” الذي أقيم مؤخرًا بمتحف الشارقة للخط العربي لدعوة من إدارة متحف الخط العربي بها، مقدمة تجربة مازجت بين الحروف العربية واللوحة التشكيلية ضمن برامج متحف الخط العربي لدراسة ومتابعة الأطروحات الحديثة في التشكيل العربي للخط كإرث ثقافي له مكانته.. المعرض أمّه لفيف من الفنانين والصحفيين والمهتمين بالحركة التشكيلية والثقافية في الشارقة وعلى رأسهم تلبية مديرة إدارة المتاحف بالشارقة منال العطايا والملحق الثقافي بسفارة خادم الحرمين الشريفين بالإمارات العربية المتحدة الشاعر عبدالمحسن الحارثي. نهار قدم في معرضه 35 لوحة تشكيلية مختلفة الأحجام، متوزعة بين متر ومترين ونصف، كما مرزوق برنامجًا تدريبيًا وورشة عمل ومحاضرة عن التشكيل بالحرف العربي شملت تنفيذ مجموعة من الأعمال. وحضر الدورة أكثر من 16 مشاركًا ومشاركة. مواءمة مدهشة حول هذا المعرض وما صاحبه من فعاليات يقول الفنان نهار: إن دخول الخط في التشكيل ليس جديدًا على الساحة التشكيلية ولكن صياغة الحرف وإعادة قراءته تختلف من فنان إلى آخر، لكن التزايد المدهش لاستخدام الحرف العربي في واقعنا التشكيلي يجعل من يراه يقول إنه صحيح إلى حد ما وظاهرة صحية وجوده بهذه الكثرة وهذا التوجه والذي جعل المستشرق يقف منبهرًا من المخزون والإرث في المحضن الإسلامي للحرف العربي. ويضيف مرزوق: إن دخول التشكيلي وإضافته للحرف العربي في التشكيل يوقف دخول بعض الغربيين والمستشرقين لأخذ هذا الإرث كما فعله سابقوهم كما هو موجود في أعمال الكثير من المستشرقين. لكن القصد ليس عكسيًا، فما هو موجود لدينا ليس حكرًا علينا، فنحن نرحب بكل فنان صادق يستطيع أن يقدم ويضيف لهذا الجمال جمالًا، فهو إرث إنساني في المحصلة العامة. فنحن نرغب في التنافس الدولي والتحدي التشكيلي والذي لدينا من الفنانين في العالم العربي هم رواد في هذا المجال، وأعتقد بأن هذا سيساهم في إعادة صياغة التشكيل العربي بالشكل الذي يخدم الحركة التشكيلية عامة والساحة المحلية خاصة. فالتزام الفنان بمبدأ الأداء التشكيلي المقنن يحمله المسؤولية التشكيليى كاملة. معايير خاطئة ويمضي نهار في حديثه مستعرضًا واقع الساحة التشكيلية بقوله: الحركة التشكيلية للأسف فيها معايير اجتماعية كأن يكون الفنان رجلًا يحمل شهادة عليا في الفنون يعمل بجد شديد لدرجة الاستعداد للتضحية بالخميس والجمعة، وقته كله خلف مقود السيارة فإن الاحتمالات قوية في أنك تصبح من أكبر الفنانين في الحركة التشكيلية اليوم. وطبعًا كلنا نعرف القبول الزائد للمرأة في الحركة التشكيلية فإن الرجال مازالوا هم من لهم الحظ الأكبر من النجاح. فالنجاح ليس له جنس.. من يعمل يستحق المكانة التي يصل إليها.. ودع الأرض للكسالى والقمة لها أهلها.. الفنان الناجح من يقتنع بأعماله دراسة وتجربة وبالبحث في الإرث الإنساني سيصل لأطروحته التي تميزه وتعبر عنه وعن حضارته وإرثه؛ فدراسة الفنان وتجربته معًا تساوي أطروحة ناجحة.. ولا يكتفي الفنان بما قدم من نجاحات تبقيه في مكانه بل عليه البحث باستمرار وهذا ما أقوم به بالبحث في ما عندنا فلدينا في موروثنا ما يغنينا عن التقليد للآخر. إنه قيل بأن من الحقائق المسلم بها أن نوعية الإدارة هي ما يميز المؤسسات الناجحة والشركات عن مثيلاتها. وطبعًا فالفنان التشكيلي إذا وضع لنفسه خطة وهدفًا وسعى له فستكون له أطروحة ناجحة وخطوات مدروسة تختصر له الزمن وتحقق له مبتغاه وتجعله في مصاف الناجحين في فترة قصيرة. لأن أي إدارة لأي خبرة تحتاج إلى تجديد مستمر في الطرح وفي الأدوات فالفنان التقليدي الطرح سيذهب عنه الناس بعيدًا لا محالة. فالنجاح قد يغري باستمرار أساليب معينة في العمل وتلك قد تقتل الإبداع وروح الإبتكار والتجديد، فاستيعاب الحركة التشكيلية العالمية بالزيارة للأطروحات الموجودة ونقاش أصحابها في أطروحاتهم يضيف للفنان الكثير من الخبرات ويزيد من ذائقته التشكيلية ليعدل مساره نحو النجاح. صناعة الحدث ويمضي نهار في حديثه محدّدًا شروط نجاح الفنان بقوله: الهمة عند الفنان في صناعته للحدث تعطي له نجاحًا ومستقبلًا أكثر إشراقًا؛ فصناعة الحدث هو صناعة لحضارته وتحديد مفهوم الحضارة بارتباطها بموروثه الإنساني الكبير.. ومن هنا يبقى الإنسان في مسيرة الحدث فاعلًا ومؤثرًا وصانعًا للخير ولعمارة الأرض كما أوصانا ديننا بذلك. لكن للأسف بعض الفنانين يقف في الظل والحركة الثقافية المعاصرة تحتاج له لتأكيد قدرة الإنسان وفي قدره في تحوله من كائن هامشي إلى كائن فاعل فليقرأ في ملاحم التاريخ وفي رواده وناجحيه لنرى كيف يصوغ الحياة وكيف يرى الحياة ويغذيها من روحه ونفسه ووجدانه لتزداد عطاء للإنسانية. ويواصل نهار حديثه بقوله: العمل التشكيلي والحرف العربي له القدرة الخلاقة على التأثير في الآخر على نحو فاعل يمكن الجميع من الوصول إلى آفاق الغايات المرجوة وبما يحمله من طاقة تأثيرية محصلة الرأي والرؤية مع الآخر.. وهو عملية إبداعية حاولت من خلال أعمالي كمفهوم مختلف عن الطرح التقليدي صعب التحديد على المستوى الإجرائي يمكن أن تبدو أعمالي -وهذا ما أرجوه- بأساليب أقل إثارة وإمعانًا بالشعور والحركة. فالتكنيك وخبرتي في الخط ودراستي لبناء العمل التشكيلي والخبرة أعتقد أنها هي من صاغت معرض “ترانيم الحروف”. القدرة على ابتكار الفنان لأدواته وصياغته لعناصر عمله الفني يجعل على يده أجود ما يكون من حراك تشكيلي يمكن أن تشاهده مثلًا حيًا على قدرة الفنان وعملقة إرادته، رؤية تشكيلي في معرض يرسم أطرحاته وينعزل وحده معها وسط امتداد من الألوان والمساحات التشكيلية المتنوعة والثرية. وهذا أمر لا يتوفر إلا لفنان متقدم الوعي، يدرك أهمية ما يمارسه من إبداع وإعادة صياغة.. وأن هذا العمل ليس خصوصية ذاتية، ولكنه متعلق بجوانب كثيرة منها المعلومة والفنان نفسه والساحة التشكيلية والعمل الفني نفسه وهنا الإبداع يعني تطوير أجزاء تلك الأطراف مجتمعة.