تسلل سيل “وادي مر” الهادر في ظلمة الليل، ليداهم الشابين سلطان بطي البلادي (30 عاما)، وبدري نجيان البلادي (32 عاما)، ويرغمهما على رحلة مرعبة، لم تكن تشبه ما يصبوان إليه. وهما اللذان دفعهما عشقهما للأجواء الماطرة والسيول الجارية للخروج في نزهة برية بحرات مغينية، ولكن هناك كان موعدهما مع رحلة من نوع آخر. فأثناء الرحلة داهمت الأمطار في الوادي سلطان وبدري، وحاصرتهما السيول فخانتهما سيارتهما الجيب وغارت في الوحل ومياه السيل، واضطرا للسير على أقدامهما لمدة خمس ساعات متواصلة عبر الجبال والاودية حتى اعترض سيل عرم طريقهما فلاذا بصخرة، وظلا يقاومان الغرق وجرف السيل، حتى كتب الله لهما النجاة. يحكي سلطان تلك القصة المرعبة قائلا: بدأت الثانية ظهرا بعد منتصف النهار برغبة متوقدة فى قلوبنا للخروج في الاجواء الغائمة لنشاهد المناطق التي أصابها المطر، إلا أن سيل وادي مر كاد يبتلعنا بعدما غاصت في وحوله اطارات سيارتنا، وقبيل مغادرتنا المكان أخذ رفيقي بدري يداعبها مودعا بكلمات رقيقة، وتحركنا لقطع المسافات الطويلة واجتياز الأودية ومواجهة الظلام من سيول وهوام وسرنا حتى حال وادي مر بمائه بيننا وبين طوق النجاة والأمل الوحيد في الحياة ليرغمنا على ركوب المكاره والصراع مع السيل الهادر، وهي الرحلة التي استغرقت اثنتى عشرة ساعة. ومن جانبه أضاف بدري بقوله: صعبت شدة الظلام مهمتنا في رؤية طريق النجاة، وتوحلت أقدامنا وشعرنا بتعب شديد والتصقنا بصخرة فيما كانت قطرات المطر تتهاوى فوق رؤوسنا والبرد القارس يلفح وجوهنا، اتصلنا بالدفاع المدني ولكن ظلمة الليل حالت بينه وبيننا، ولم يبق أمامنا إلا الإيمان بالله وحده هو الطوق والقوة والامل. وأكمل سلطان بقوله: نعم فبالصبر والصلاة وقراءة القرآن واجهنا رهبة الموت المهاجم لنا بألف صورة ووجه.. لحظات حرجة وعصيبة تمنينا فيها رؤية إنسان أو طائرة إنقاذ، ولكن للأسف كل ما حولنا يؤكد النهاية ويستبعد فرصة النجاة، فالخوف بدأ يصاحبنا طوال الرحلة، بعد أن احكم السيل علينا قبضته وابتلانا بظلمته ووحشته، والحفر العميقة في بطنه باسطة ذراعيها إلى الموت، ونحن معتصمين بصخرتنا نرتجف لا أحد يهدئ من روعنا الا الأجر الذي وعد به الله سبحانه وتعالى الغرقى، وهو سبحانه ما كان عالقا في أذهاننا ونعتبره هو الجسر والطوق المنقذ لنا من الغرق. يقول سلطان: تغلب علينا السيل عدة مرات، فخاطبت رفيقي خلالها وأنا أرتعد من شدة الخوف والبرد: “لماذا نخاف يا بدري ونحن اليوم محمولين الى الجنة؟ لماذا نخاف، أما علمت ما أعده الله للغرقى من ضحايا السيول من أجر؟” فيرد بدري بنعم نعم. يقول سلطان: انتابني فى تلك الحظات شوق لأمي وإخواني عبيدالله وشداد، وأختي الاثنتين ممزوجة بحب في النهاية والفوز بالجنة. وقد شعرنا بتيبس أطرافنا وتحجر أجسامنا من شدة البرد بعد أن تبللت ملابسنا وارتوت أجسامنا بماء المطر، وتلطخنا بالطمي فلم نعد قادرين على تحمل لفح البرد القارس، وعند السابعة صباحا بدأت طائرات الدفاع تلوح في الأفق لتبدأ الحياة تعود الينا من جديد، والدفء يدب في أجسادنا، فأنستنا فرحة النجاة معاناة رحلة الموت، لتكتب لنا شهادة ميلاد من جديد.