أبدى الدكتور فهد العرابي الحارثي عضو مجلس الشورى ورئيس مركز أسبار للبحوث والدراسات انحيازًا مطلقًا للغة الإنجليزية، واصفًا إياها بأنها “علم المشتركات ولغة العولمة الأولى والناقل الرسمي للمعرفة”، مشيرًا إلى أن عصرنا حافل بصراع اللغات العالمية العملاقة، وتتداعى في هذا العصر كثير من الآداب والفلسفات الخاصة باللغات الهشة، التي يتهددها شبح الموت بنسبة عالية أمام فايروس اللغة الإنجليزية المتقدمة. لافتًا إلى أن معضلة اللغة العربية هي علاقتها بالعالم المجهول، وأن ثراء اللغة العربية لن يتأتى إلى بوجود ثقافة هجين، مقارنا بين بيئة تنتج التقنية وتسوّق للغتها وبيئة تستهلك تلك التقنية وتموت لغتها معها. جاء ذلك في سياق المحاضرة التي قدمها أمس الأول بنادي جدة الثقافي الأدبي تجت عنوان “الجغرافيا الشفافة ومفتاح المعرفة الجيدة”، أشار في بدايتها إلى أن أدوات العولمة كانت المسوّغ وراء شفافية الجغرافيا، وأن تكنولوجيا الاتصالات هي المعبر الحقيقي عن الجغرافيا الشفافة من حيث تسهيل المعلومات. وأنه بفضل التقنيات الجديدة يصبح الاستهلاك في صناعة المعرفة دائمًا ومتواصلاً، مستشهدا بتجربة أمريكا في أقطرة العالم، مبينًا أن المسوق الحقيقي لكل هذه الثورة التقنية الهائلة يتمثل في اللغة الإنجليزية، مستندا إلى بعض الإحصائيات والتي جعل نسبة تمرير المعلومات من خلال هذه الوسائل التقنية يجيّر للغة الإنجليزية بما يلامس ال 98 % فيما تأتي جميع لغات العالم في ما تبقى من النسبة، معطيا بعض الدلالات التي تشير إلى أن اللغة الإنجليزية هي لغة الوسائط الصانعة للتقنية. ساردًا بعض تجارب الفرنسيين وتطويع عقولهم لتقبل اللغة الإنجليزية بعد أن اقتنعوا على مضض بتعلمها بعد فترة كان فيها هذا الأمر محظورًا عليهم، وهو ما وضعه العرابي تحت عنوان “تداعي الشوفينيات” مسهبًا في حديثه عن تلك التجربة الفرنسية بالقول: في أوقات سابقة كان الفرنسيون من أكثر الممتعضين من انتشار الإنجليزية في بلادهم ومن غزوها لشبابهم، ولكنهم أمام الحقائق الجديدة لهذا العالم لم يترددوا في القول على لسان رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان بالقول: إن الإنجليزية اليوم هي لغة العالم وإذا كان غزو اللغة الإنجليزية للعالم فيه خدمة للإنسان فأنا مع هذا الغزو”. كما عرج العرابي على تقنية علم النانو مستشرفًا واقع من سيتحكم مستقبلًا بهذه التقنية هم من سيتحكم باقتصاديات العالم ساردًا بعض الأمثلة عن تقنية النانو، معرفًا لها بأنها ذلك العلم الذي يزاوج بين الهندسة والكيمياء والفيزياء. وأشار العرابي إلى أن علاقة العرب بمجتمع العلم والمعرفة واصفا إياها ب”الهشّة والمهزوزة”، مشيرًا إلى أن بعض الأشخاص يقفون من الإنترنت الآن مواقف مشابهة لما وقفه الناس من محاربة السيارة والتلفزيون في بداياتها ليتقبلونها بعد ذلك، مختتما حديثه بالقول: سيغربل مجتمع المعرفة العالم غربلة جديدة تعيد فرزه من جديد. المحاضرة شهدت العديد من المداخلات بلغت 13 مداخلة، ابتدأها الدكتور عزت خطاب الذي اتفق مع العرابي فيما ذهب إليه من أمر اللغة الإنجليزية، مؤكدًا أن عدم الإلمام بها يقود إلى كارثة، فيما اختلفت معه الدكتورة فاطمة إلياس مشيرة إلى اللغة الإنجليزية ليست هي التي حرضت على النهضة لديهم بل لأن الفاقة والحاجة الماسة إلى العمل تتطلب تعلم اللغة وليس العكس، فيما وصفت سهام القحطاني كتاب العرابي “المعرفة قوة والحرية أيضًا” بأنه كتاب ذو معلومات متكررة ولم يقدم حلولاً للمشكلات التي طرحها بشكل واضح، وفي ذات الإطار جاءت مداخلة المهندس سعيد فرحة الغامدي التي استعرض تجربته مع “حرب اللغات” عندما كان مندوبًا للمملكة في منظمة الطيران المدني، وأشارت الدكتورة فايزة الحربي إلى أن الغياب المقصود للوعي بالعملية التعليمية تسببت في رتابة استراتيجية التدريس الممنهج من وزارة التربية والتعليم. فيما أشار الدكتور زيد الفضيل إلى أن ما طرحه العرابي مشابه تمامًا لما تم طرحه أيام محمد علي باشا وما رافق تلك الفترة من دعوات وأطروحات من قبل أحمد لطفي السيد وسلامة موسى والتي أشارت إلى أن فهم اللغة والانتقال إلى العالم الجديد لا يأتي إلا من خلال الالتباس الكلي للمفاهيم اللغوية. الكاتب عبدالله فراج الشريف لفت إلى أن أي أمة لا يمكن أن تتخلى عن لغتها حتى وإن نالها بعض الضعف حتى وإن كان في بعض قواعدها تعليمات وهي قادرة على أن تحمل المعرفة بعد أن حملتها أكثر من 1400 سنة، وهي قادرة على أن تحمل العرب لكن العرب غير قادرين على أن ينهضوا بها. ليجمل العرابي رده على المداخلات بالقول: إننا نريد مفاتيح المعرفة ولن يتأتى ذلك إلا مع اللغة الإنجليزية لأن البقاء للأقوى ونحن الأضعف في هذه الفترة، كما أن تعامل المجتمع العربي مع التقنية والإنترنت لا يتعدى ثلاثة أشياء: الأمور الإباحية، أو تمرير العمليات الإرهابية، أو غرف الدردشة، وهو واقع سلبي مشؤوم غير مبشر بخير.