لم يكن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مضطرا للمساهمة في الجهود الدولية لإخماد نيران الحريق التي التهمت جبل الكرمل بفلسطين المحتلة. المساعدة التركية لم تكن منتظرة حتى من الصهاينة أنفسهم نظرا للجريمة التي ارتكبوها قبل أقل من عام، حيث هاجمت البحرية الإسرائيلية سفينة الإغاثة التركية لغزة (مرمرة) خارج حدود المياه الإقليمية للكيان الصهيوني مما أدى إلى استشهاد عدد من الناشطين الأتراك. كنت سأتفهم مساهمة تركيا في الجهود والمساعدات الدولية التي تدفقت على الكيان الصهيوني لو أن حكومة العدو قدمت اعتذارا رسميا للشعب والحكومة في تركيا. لو فعل الصهاينة ذلك بدلا من الإصرار على روايتهم المختلقة والتي تفيد بأن الناشطين على متن السفينة مرمرة كانوا مدججين بالسلاح وحاولوا قتل جنودهم، لالتمست وغيري العذر للسيد أردوغان. في هذه الحالة كنت سأقول بأن الخطوة التركية هي جزء من سياسة التوازنات الدبلوماسية التي تفرضها بعض العوامل التي لا يمكن التحرر منها إلا بمرور الزمن. لكن أن تأتي المساعدات التركية دون أن يبادر العدو الصهيوني إلى الاعتذار رسميا عن فعلته -الاعتذار لن يعيد الحياة للناشطين الأتراك- فهذا ما لا يمكن فهمه فضلا عن تبريره. في السياسة ميزان الفعل لا ميزان الكلام، هو المعيار الوحيد لتقييم أداء الحكومات ولتصنيف القادة والزعماء. الكلام يبقى كلاما ما لم يصاحبه فعل يوازيه، والكلام القوي ذو اللهجة الحادة يمكن أن ينال من مصداقية الدول إذا ما تعارض مع الفعل المباشر صراحة. وهذه هي غلطة أردوغان الذي أبدى حرصا شديدا منذ توليه سدة الحكم، على عودة تركيا إلى عمقها الاستراتيجي في العالمين الإسلامي والعربي. نعم .. أردوغان خرج من دائرة الكلام إلى دائرة الفعل عندما قرر المساهمة في إنهاء الحصار على غزة لكن أردوغان عاد خطوات كثيرة إلى الخلف بخطوته الأخيرة. كما أنه فرط في حقوق وكرامة شعبه المدين بحياة عدد من أفراده للكيان الصهيوني. الماء التركي الذي انهمر على جبل الكرمل لن يطفئ نيران غضب الشعب التركي وحزنه على شهداء مرمرة، لأن الدم وببساطة شديدة، لا يمكن أن يصبح ماء كما يقول المثل العربي. إنها غلطة الشاطر يا أردوغان، وغلطة الشاطر بعشرة، وأيضا كما يقول المثل العربي.