العلاقة الزوجية حيرّت الكثير في مفهومها وكنهها، فهناك من يرى أنها علاقة فريدة من نوعها في المجتمع الإنساني وكيف لطرفين أن يتقبلا بعضهما البعض رغم اختلاف طبائعهما في حين يرى البعض أنها علاقة يشوبها الكثير من الغموض وعدم الوضوح وأن بعض الأزواج يعيشون فيها بفردية مطلقة! في حين أن بعض المختصين أرجع بعض أسباب الغموض الذي يشوب العلاقات الزوجية إلى الالتزام بالتقاليد والعادات دون تطبيق الشرع الكريم في النظرة الشرعية والتي تعتبر بطاقة المرور لحياة زوجية سعيدة، وإلى مزيد من الآراء في بقية السطور حول غموض العلاقات الزوجية: السكن الزوجي فسرّ المحلل النفسي ومستشار العلاقات الأسرية والمجتمعية الدكتور هاني بن عبدالله الغامدي معنى السكن والعلاقة الزوجية بقوله: حينما نحلل معنى السكن في الحياة الزوجية فإننا يجب أن ننظر إلى معنى قد لا يستشعره البعض من الأزواج لما فيه من دلالات على أن السكن ليس هو البيت بمعناه التجريدي إنما هو سكن الروح والمشاعر والتفعيل الإنساني مع الطرف الآخر بحيث يسكن إلى خليله تحت مظلة الشرع التي أتاحت التزاوج بين الذكر والأنثى ضمن عناصر ميسرة يستطيعها أي إنسان بغض النظر عن المدنية التي عقدت من تطبيق تلك العناصر في وقتنا الحالي. وأضاف الغامدي: مما سبق نخلص إلى أن الحياة الزوجية بوجود الزوج والزوجة كعنصرين أساسيين فيها ينبغي عليهما أن يذوبا بعالميهما المتفرد ليخرجا بعالم واحد جديد هو الأسرة التي منها سيرزقهما المولى عز وجل بالذرية لتتكون أسرة متكاملة جديدة تنضم إلى المجتمع الكبير ، وبالتالي فإن أي غموض يشوب هذين المؤسسين سواء على مستوى السلوك أو المعلومات أو حتى المشاعر والأحاسيس فإنه أمر غير محمود سيكون نتاجه عدم وجود اللحمة المطلوبة بينهما مما يفضي إلى غربة سيعيشها الطرفان مما سيتسبب في تفرد بعالم منفصل غير متماسك فيما بينهما ، ونجد في بعض الأحيان من خلال ما تأتيني من حالات بأن هذا هو السبب الرئيس للإحساس بالحنق والغضب والمشاكل التي ليس لها مسبب واضح إنما أساسها هو وجود ذلك الغموض من أحد الطرفين مما يجعل الحياة الزوجية بينهما منزوعة اللذة وتتحول العيشة بينهما إلى نظام ديناميكي لا يربطهما سوى ورقة الزواج أو الأولاد أو مصالح سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع مما يؤدي إلى الطلاق البائن أو الطلاق الصامت وأحيانا إلى البحث عن التفاعل المشاعري مع الغير خارج إطار الزوجية. واسترسل الغامدي فقال: وفي حقيقة الأمر ومما واجهته مع الكثير من الزوجات أو الأزواج وجدت أن شرارة عدم تطبيق ذلك التذويب للعالمين الذي ذكرناه قد يكون بسبب عدم تطبيق سنة سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في مسألة النظرة الشرعية، بحيث يقرر الأهالي تزويج البنت أو الابن ببعضهما البعض حتى دون أن ينظرا لبعضهما البعض، وفي تلك النظرة حكمة عجيبة يسرها الشرع بشكل واضح ، حيث إننا نعلم جميعا مدى اهتمام الشرع بحجاب المرأة والحفاظ عليها وعدم النظر إلى مفاتنها ، بينما يحلل ذلك كله - سبحان الله - حينما تكون النية للزواج ويأتي الخاطب وهو مازال ليس محرما لها لينظر إليها وتنظر هي إليه دون غض بصر ليقرر كل منهما مدى اقتراب ذلك الشخص من روحه ونفسه وليستشعر تلك الشرارة الحلال بإذن الله ليرتبط كل منهما بالآخر، وما أعظمها من حكمة يقصيها البعض وينكرها البعض الآخر دون أن يعي أن تلك الحكمة قد تكون الأساس في الاستمرار بين زوجين في حياة زوجية جديدة أو قد تكون السبب في نفورهما وطلاقهما منذ اليوم الأول بعد القران الشرعي. توجيه الأبناء والبنات وبينّ طرق المعالجة في حل إشكالية ما يحدث في العلاقة الزوجية قال: بالنسبة للمعالجة التي أزعم بأنني أحد الذين طبقوا هذه المفاهيم مع الكثير من الحالات التي نباشرها هي أن يكون هناك موافقة القبول من قبل الطرفين لبعضهما البعض وذلك من خلال توجيهنا ونصحنا وتدريبنا للكثير من البرامج الأسرية مع الآباء والأمهات في طرق التعامل مع أبنائهم وعدم إقصاء ما حلل الله وأن يكون الأمر في الاختيار بيد البنت والشاب على حد سواء دون ضغط تحت مظلة المفاهيم القبلية أو العشائرية أو حتى على مستوى تزويج الأبناء والبنات من ذرية الأعمام والأخوال والذي أيضا أثبتت الدراسات بتفشي الأمراض الوراثية بشكل كبير جراء هذه العادات والتقاليد التي ليس لها مرجع ديني أو شرعي. غموض العلاقة الزوجية من جهةٍ أخرى يُوضح المتخصص التربوي في شؤون الأسرة الدكتور عدنان حسن باحارث بأن العلاقة الزوجية من أصعب العلاقات تعقيدا في الفهم والتحليل فيقول: «العلاقة الزوجية أرقى وأعلى أنواع العلاقات الإنسانية، وأوثق وأشد أنواع العقود البشرية، وهي أيضاً أعقد جوانب الحياة الإنسانية وأصعبها على الفهم والتحليل، فلا توجد من بين علاقات الإنسان المتنوعة علاقة مهما كانت قوية ومتينة تصل باثنين من البشر إلى الحدِّ الذي يمكن أن تصل إليه العلاقة بين زوجين من التمازج الكامل والتداخل العميق الذي يخترق الآخر إلى أعمق ما فيه فينتج من ذلك الامتزاج الكامل، والتداخل العميق، والاختلاط الشامل. السكن الذي تستقر معه النفس فلا تضطرب، فيخلد كل واحد منهما لصاحبه ويأوي إليه، وينتج عنه أيضاً المودة وهي المحبة التي تجذب كلاً منهما إلى صاحبه كما ينتج عن هذه العلاقة الإنسانية الفريدة الرحمة وهي الرأفة التي تلقي بظلالها الوارفة على الزوجين وأسرتهما فتكون سبباً في دوام العشرة وطول الصحبة، إضافة إلى إنتاج الولد وحدة البقاء، ورمز الاستمرار الإنساني». الغموض وحجم العوائق وأضاف باحارث فقال: وإن مما يزيد العلاقة الزوجية غموضاً واستتاراً حجم العوائق النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية التي يحتاج الزوجان إلى تجاوزها لتحقيق أول درجات التوافق بينهما، فهما حتى ينجحا في بناء الأسرة في حاجة إلى كسر حواجز الذات والخصوصية والفكر، فيصل كل منهما إلى عمق صاحبه، مداخلاً له مداخلة كاملة، حسيَّة ومشاعرية، فلا يبقى معها مستور بينهما، وبقدر نجاح الزوجين أو إخفاقهما في بلوغ هذه المرتبة من عمق العلاقة تتقدم أو تتعثر درجة التوافق الزوجي بينهما، والعجيب في شأن العلاقة الزوجية أن تخطي الزوجين لهذه العوائق والحواجز المتعددة والمتنوعة، التي تطال الذات الإنسانية بكل إبعادها وشعبها: يتم بنجاح في غالب الأحيان، ويحصل بتفوق في فترة قصيرة جداً من الشروع في الحياة الزوجية، وكثيراً ما يبدأ هذا النجاح في تخطي الحواجز والعوائق بين الزوجين عند أول لحظات لقاء الخطيبين في الرؤية الشرعية، فيتبادلا النظر، ويقرأ كل منهما الآخر بصورة عاجلة، وربما غزا كل منهما صاحبه حتى يستقر في قلبه، فيكون الحب من أول نظرة، وهذا تصديق قوله عليه الصلاة والسلام : «فانظر إليها فإنه أحرى أن يُؤدَمَ بينكما» يعني أحرى أن تحصل المحبة والموافقة بينكما، فعندها تنقشع بين الخطيبين المتراضيين جملة من الحواجز النفسية، والأوهام العقلية، والتردد الاجتماعي، وينفتح أمامهما خيال واسع رحب من الأحلام الوردية اللطيفة، يتراءيانها معاً عبر نوافذ الأمل المطلة على المستقبل، فما يلبثان طويلاً بعد العقد حتى يتعلق أحدهما بصاحبه تعلق الروح بالبدن، فيتجاوز كلّ منهما موروثه الاجتماعي السابق، ويُغالب علاقاته الأسرية الماضية، فيتخطى كلَّ ذلك إلى شقِّه الآخر، ليبنيا معاً وحدة اجتماعية جديدة، ويكونا لبنة أخرى في بناء صرح الأمة الاجتماعي». شركة ائتلاف أرواح ويُبدي رأيه المستشار الأسري د. أحمد الشيخي مؤكدا أن العلاقة الزوجية هي بالدرجة الأولى علاقة شراكة بين الطرفين فيقول: «العلاقة الزوجية شركة تتم بعد ائتلاف أرواح الزوجين وأصول الشراكة الصدق والوضوح وتحقيقهما يعني تحقيق الثقة التي لا تترك مجالا للغموض وطبيعة العلاقة الزوجية ود واحترام وهدوء واستقرار نفسي من المودة والرحمة فالمودة هي المحبة والرحمة هي الرأفة فالرجل يمسك المرأة أما لمحبته لها أو لرحمته بها وقد تكون العلاقة الزوجية انفرادية أو غير متشابهة حينما يكون الزواج بإكراه أحد الزوجين أما لعادات وتقاليد أو لإرضاء الأهل أو لمصلحة ونتائجه تكون على حساب الألفة وبالتالي يكون هناك أكثر من سبب للاختلاف مما يعني كثرة المشكلات الزوجية وكل مشكلة لها أكثر من حل آخرها أبغض الحلال».