إنها أنياب الفقر حين تنهشُ من أجساد هؤلاء الطاعنين في السن من البسطاء الذين لم يجدوا سوى الدموع لكي تعبر عن معاناتهم وآلامهم وشدة حاجتهم، إنها معاناة فاطمة الكيادي التي تعيش في خريف العمر وتحديدًا في نهاية عقدها السابع تكابد قسوة العيش وظروف الحياة التي أجبرتها على تحمل مرارة العمل والتنقل بين الأسواق الشعبية في محافظة القنفذة تفتش عن لقمة العيش التي تعفها عن سؤال الناس بعد أن عجزت إعانة الضمان الاجتماعي البالغة 850 ريالًا شهريًا عن الوفاء بالتزاماتها المالية فباتت تحمل جبال الهموم وهموم الجبال فلم تجد بدًا من مواجهة آلام الزمن وتحمل أعباء العمل متنقلة بين الأسواق تصنع لزبائنها الطعام الشعبي من طحين الذرة الحمراء والسمك والخضار المشوي فاكتسبت شهرة واسعة علها تنسيها همومها وآلامها وتجلب لها الرزق الذي تنتظره مع بزوغ خيوط الفجر الأولى التي تشهد بدء حركة السوق. شدة الحاجة تروي فاطمة الكيادي معاناتها بصوت محبط يصعب معه أن تتمالك دموعك وأنت تصغي إليها فتقول لقد بلغ بي العمر مبلغه ولم تشفع لي سبعة عقود من السنين لأرتاح من عناء حمل الأثقال من الأواني والحطب وأكياس الطحين ولهيب نيران التنور وشدة حرارة الجو لكن شدة الحاجة كانت أكبر من كل هذا العناء والتعب فجعلت مني أكثر تماسكًا لمعايشة واقعي المر ومقابلة زبائني من مرتادي الأسواق والحصول على قوت يومي من أجرة صنع الطعام. قسوة وتواصل فاطمة سرد معاناتها وهي تغالب دموع عينيها التي تعبر عن هموم تستعر في أعماقها وبين جوانحها جراء قسوة ظروفها التي تزداد شدة وألمًا عندما وجدت نفسها ملزمة برعاية الأطفال السبعة لابنها الوحيد الذي يعمل مع إحدى شركات القطاع الخاص في وظيفة (حارس أمن) براتب زهيد لا يصرف له بانتظام فضلًا عن كونه لا يسد رمقه فاضطررت لأحمل هم ابني وأطفاله إلى جانب همومي وآلامي. حروق وآلام وبحرج بالغ يسيطر على محياها تسترجع السبعينية فاطمة تفاصيل الحادثة التي أصابتها بحروق مضاعفة في أحد ساقيها ألزمتها المستشفى فتوقف رزقها إجباريًا عندما غلبتها ظروف المرض لعدة أشهر إلا أنها طالما تذكرت شدة حاجتها فنهضت مجبرة من فراش المرض متحاملة على آلامها لتبدأ رحلة جديدة تفتح لها أبواب الرزق من جديد. حلم واليوم تحلم فاطمة بمن يعيد صياغة حياتها ويقضي ديونها ويحسن ظروفها المعيشية ويجمل هيئة كوخها الصغير الذي عبثت به رياح الزمن. إنها الأحلام التي عمدت لإخفائها حتى على نفسها طيلة سبعة عقود، فلم تعد تسمح لها بالظهور ولو في الخفاء فليس في اقتحامها معنى أو دلالة سوى الإحباط في قليلة حيلتها وتواضع دخلها وكبر مسؤولياتها نعم إنها لم تعد تحلم بل وتجزم أنها تحلم بما هو ضرب من محال. وأمام هذه المعاناة المؤلمة التي عاشتها (المدينة) مع فاطمة الكيادي ظهرت لنا حالة تدعو مؤسسات المجتمع للوقوف معها بعد أن حركت فينا المشاعر بانتظار أن تجد من يتفاعل معها ويمسح دموعها ويخفف آلامها ويعيدها من جديد إلى دائرة الحياة.