إذا كان المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فالدول بأكابرها: قياداتها، وطاقاتها.. فهؤلاء هم صنّاع التاريخ. بهذه المعادلة استطاعت العملاقة قطر أن تخطف العالم مع سبق الإصرار والتعملق، فلا شيء يمكنه الوقوف دون الطموح القطري الخلّاق، الذي تعهد بإعادة تدوير العوائق ليصنع منها طرقًا معبّدة تعبر منها قوافل التنمية والتطور وهي تردد: “قسمًا قسمًا قسمًا بمن رفع السماء.. قسمًا بمن نشر الضياء” نحو مستقبل لا يمكن التنبؤ بأبعاده، ويجدر بهواة تصوير التأريخ، وتوثيق الحقب الزمنية أن يشدوا رحالهم لقطر ليلتقطوا الصور التذكارية معها، وهي تخرج من شرنقة الإقليمية لتطلق قطر العالمية، وليسارعوا فالوقت يمضي والفرص محدودة، وبعد اثنتي عشرة سنة فقط لن تكون قطر هي ذاتها حتمًا. منذ بدأت إرهاصات الملف العنابي في الظهور وغاية ما يستطيعه المتابع هو الدهشة والإكبار، فقد بدأت قطر حملتها بفيلم غاية في المحلية البسيطة، وبألوان محدودة، وبأطفال يرثون المستقبل وهم يلعبون (الغميمة)، وبين غمضة عين وانتباهتها تتبدل الحارة الطينية لتحف معمارية عظيمة، استلهمت البيئة القطرية وقصص (اليامال) والمحار، وارتمت بخيلاء على الشواطئ الذهبية كعرائس البحر الأسطورية، وتهافت الغرب والشرق نحوها. وليزدد الحر شدة -إن شاء- فقد قررت قطر أن تروض وهج الشمس، وتحيله مكيفًا لاثنين وعشرين ملعبًا، يتسع كل منها لحوالى خمسين ألف سائح، سيصلون الملاعب المدهشة بالتاكسي البحري، وسط أجواء رياضية حالمة تعد بها قطر الفتية، وهي تصنع تاريخها الحديث بتفاصيله الاحترافية. هذا الملف الذي استطاع أن يخطف كأس العالم من القوة العظمى أمريكا، رسالة تاريخية، ومجد عربي أهدته قطر لجيل لم يعرف سوى الإحباطات المتوالية، وليتفكر أولو الألباب، من غير المدمنين على أفيون المؤامرة، وغير المعتلين بحمى دول النفط. وفي مكتبة التاريخ القطري الحديث هذا الحدث جزء حقيقي من إستراتيجية أميرية جادة تعهدت بدعم الاقتصاد القطري وتنويع مصادره، وابتكار عوامل التنمية الشاملة وتصميم برامجها وسط كثبان من التحديات الطبيعية والثقافية والسياسية. فهنيئًا لقطر الحبيبة أكابرها ، و هنيئا لها منجزها العظيم و هنيئا للخليج العربي هذه القطر، وهنيئًا للعالم أجمع هذا الخليج الجبار، الذي ملأ الدنيا حبًّا وعطاءً.