الصحفي والإعلامي الناجح هو من يتابع الأحداث بعيون مفتوحة وآذان تصغي، وقد يبلغ به النجاح حداً، أن يتحين وقوع الأحداث لمتابعته الدقيقة لحركة الحياة، فيكون في مدار زمانها ومكانها حين تقع، ينقل إلى القراء والمستمعين والمشاهدين المعلومة الموثوقة عنها من مصادرها الحقيقية، ويتيح لهم الاطلاع عليها بأقل جهد يبذلونه، هذه بعض وظيفته، التي من أجلها احترف هذا العمل المرهق، والشديد الخطورة أحياناً، ولكنه حتماً ليس هو من يجلس وراء مكتب في غرفة مكيفة في مقر مؤسسته الصحفية أو الإعلامية، يتلقى الأخبار عبر الهاتف ممن لا يمتون بحرفته بصلة، ويلونون أخبارهم بحسب مواقفهم من الأطراف التي صنعت أحداثها، فيصلح لهم عباراتها ويحررها في صيغة خبر لا مصدر له سواه، ثم يكتشف الناس عما قليل ألا صحة لهذه الأخبار، التي لونت واستهدفت الإساءة إلى أفراد أو إدارات أو مؤسسات، مثل هذا الادعاء الذي استعجل بنشره أحدهم بأن مستشفى خاصا رفض استقبال شخصية إعلامية مهمة، وهي في حالة إغماء، إثر تعرضها لجلطة، ولم يحدث هذا بسبب لو أدركه لما نقل خبراً لم يعايشه ولم ينقله عن مصدر موثوق، وهو أن بين مدير هذا المستشفى وأصحابه وبين المريض صلة صداقة عميقة، فلا يمكن لهم أن يرفضوا لأي سبب مما تصوره ناقل الخبر، ومثل هذا الذي تابع هجوما صحفيا شنه أحد الكتاب على مسؤول في إحدى المؤسسات الوطنية عبر العديد من المقالات، حتى تصور الناس أنه لا يحسن الكتابة إلا في هذا المجال، فتابعه آخر دون أن يمتلك أي معلومة عما يتحدث عنه سوى ما أورد صاحبه، الذي بنى هجومه على علاقة بينه وبين المسؤول سيئة، أو هي بالغة السوء بين المسؤول وآخر من المسؤولين الذين يؤيدهم الكاتب، ويبلغ الأمر غاية السوء حينما يتهم أحد من وصفنا عدداً كبيراً من الخلق بجرائم بشعة كالإرهاب أو بث أفكار هدامة أو تحريض على الإلحاد ولا دليل له على ذلك، سوى أنه يريد بهذا أن يؤيد آخر يرتجي منه نفعاً، ولو كان هؤلاء كما يقول لنالهم العقاب سريعاً، هذا النموذج السيئ من الملتحقين بالعمل الصحفي في زماننا يلطخون سمعة إعلامنا ويوهنون الثقة به، لما ينشرونه من هذه الكتابات المتعجلة الرديئة، والتي لن تجهد نفسك إن أردت اكتشافها، فنماذجها التي تنشر على الملأ اليوم كثيرة يتتابع الكتاب عليها لمجرد ظهور خبر حرره أحدهم فأساء العبارة، ولم يقع ما يتحدث عنه أصلاً، فهم يكادون أن يجعلوك تكتشفهم بسهولة لسوء ما يكتبون، مثلهم مثل هؤلاء الذين أصبحوا في إعلامنا ظاهرة، تقرأ لهم في موضوع واحد يؤيد بعضهم بعضاً، وهو مرتكز على خبر لم يتأكدوا من صحته، فإذا بهم جميعاً يكتبون عن حدث عما قليل نكتشف أنه لم يقع أصلاً، وإنما تابعوا واحداً منهم لم ير هذا الحدث ولا عايشه، وغره أن نشر مخبر صحفي خبراً مغلوطاً ولم يحسن أيضاً التعبير عنه، فساقه في مقال له على أنه حقيقة فظن الآخرون أنه صادق فتابعوه، وستجد أخي القارئ لهذا أمثلة عديدة في ما ينشر اليوم ويذاع ويعرض على المشاهدين، فبعض الذين يكتبون للصحف أو يتعاملون مع وسائل الإعلام كافة، خاصة منها القنوات الفضائية يظنون أن الجرأة تكون في قدر ما تحمله اتهاماتهم للآخرين من قسوة، وهم لا يمتلكون عليها دليلاً واحداً، أو حتى قرينة مقبولة عقلاً، فهم دوماً يفتقرون إلى أبسط المعلومات عن من يتهمونه فرداً أو مؤسسة، تسمع منهم الخطأ في اسمه وفي توجههه وفي كل أمر له به علاقة، حتى أنك قد تدرك أحياناً أن أحدهم إنما يتحدث عن غيره مأجوراً دون أن يعرفه، لذا فلابد لإعلامنا من مراجعة جادة لكل ما ينشره ويبثه عبر وسائله المختلفة، وأن يكون حرصه تاماً على المصداقية لكل ما يصدر عنه، وإذا اكتشف أن بين من يصنعون له الخبر أو الرأي ولا يلتزمون المعايير العلمية لنقل الخبر وبث الآراء والأفكار، إما لجهل بالحرفة منتشر بينهم، أو أن لهم غايات تدفعهم لعدم الالتزام بتلك المعايير، فعليه التخلص منهم فوراً حتى لا يسيئوا إليه، فإعلامنا في ما يظهر لم يجر مثل هذه المراجعة منذ زمن طويل، ولم تفرز تجربته معايير للمصداقية يتابع بها ما ينشر عبره، بل لعلي أقول إن ما يجب أن يتحلى به من يعمل فيها مؤهلاً كان أم شرطاً لم يفكر فيه بعد، لهذا فإن تطوير العمل الإعلامي في هذا الوطن يحتاج منا إلى الكثير من الدراسات النظرية والواقعية الميدانية ليكون إعلاماً قوياً نعتمد عليه في بث وعي حقيقي للنهوض بالحياة في وطننا، وأن يكون صوتنا الحقيقي المطالب برقي الحياة في شتى الميادين، مع الأخذ بعين الاعتبار ألا يكون التطوير له مدعاة لتقييد حرية التعبير، أو إلغائها، أو أن يكون وسيلة لتكميم الأفواه وكسر الأقلام، فذاك زمان انقضى ولن يعود، وإنما التطوير حرص على أن نرتقي بإعلامنا بعيداً عن الزيف، وأن نحميه مما نال إعلام العالم اليوم من عيوب، أدت به إلى أن يزيف الحقائق، فيزري بالحق، ويشيع الباطل، ولنتذكر ما صنع هذا الإعلام من تبريرات للجرائم المتلاحقة التي ارتكبت في حق كثير من الشعوب في العالم وفي منطقتنا على الخصوص، في أفغانستان والعراق وباكستان، وليتذكر كل إعلامي احترف القيل والقال قول سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال). فهل يفعل..؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.