ما أن تحل العطلة كل عام إلاّ وتطرح الأسئلة التقليدية نفسها: أين نقضي العطلة؟ وكيف نقضيها؟ وبكم نقضيها؟ ومتى نقضيها؟ ويبدأ الناس بتوفير الأموال، ومن ثم شد الرحال إلى مغارب الأرض ومشارقها، ويقضون هناك الأسابيع، بل الشهور دون نفع يذكر، أو فائدة ترجى لا في دينهم ولا دنياهم سوى أنهم سكنوا في فندق كذا، وأكلوا في مطعم كذا، وسهروا في المكان الفلاني، وشاهدوا المسرحية الفلانية، والتفاخر والمباهاة بالدول التي زاروها، والملاهي التي دخلوها، والملابس التي اشتروها والأموال التي صرفوها، وهكذا من أنواع التفاخر والمباهاة، ثم يعودون بعد ذلك مثقلين بالفواتير والمصروفات، بل والديون والأسوأ من ذلك الآثام والذنوب ثم يبدأ المشوار الطويل مع تأنيب الضمير والحسرة والندامة على ضياع المال والعطلة دون طائل، وهذا هو الإسراف الذي نهانا عنه ربنا جل جلاله قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وقال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه). أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلماذا كل هذا العناء وتلك المشقة؟ ولماذا كل تلك المصاريف؟ لماذا لا نقضي العطلة في ربوع بلادنا الحبيبة المترامية الأطراف؟ فهذه البقاع الطاهرة مكةالمكرمة، والمدينة المنورة التي تتطلع إليها النفوس ويتمنى مشاهدتها والركوع فيها الملايين من المسلمين في جميع أنحاء الكرة الأرضية، ولكن تقف إمكانياتهم المادية حائلاً دون ذلك، ونحن قريبون منها، ولا يكلفنا زيارتها إلاّ القليل جدًا، والتي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلاّ لثلاثة مساجد المسجد الأقصى والمسجد الحرام ومسجدي هذا). أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وهذه أبها البهية، والباحة الهنية، وتلك الطائف الجميلة وعروس الشمال حائل، والقصيم الفتية وعروس البحر الأحمر بوابة المنطقة الغربية والدمام نافذة الشرقية، وغير ذلك من المدن العديدة التي تمتاز بطقسها المعتدل ومناظرها الخلابة، كما أنه لا تخلو مدينة من مدن المملكة خلال العطلة من نشاطات وفعاليات دعوية وثقافية، وتربوية، وترفيهية فهذه المخيمات الدعوية وتلك الأسواق التجارية وهناك ملاهي الأطفال الترويحية والجوائز والمسابقات الثقافية، وكل ما يدخل البهجة والسعادة وقضاء الأوقات الممتعة التي تعود على الإنسان وأهله بالخير والفائدة، إن أهم ما ينشده أب الأسرة هو إدخال السرور والسعادة على أفراد أسرته، وبالذات الأطفال، فإذا كان ما تهفو إليه نفوسهم وتطلع إليه رغباتهم متوفرة في بلادنا دون محاذير شرعية، فلماذا إذن السفر إلى الخارج وعلى الأخص بلاد الكفر والشرك لما فيها من خطر على ديننا وأخلاقنا، وأثر بالغ على تقاليدنا وعاداتنا، فلنبقَ في بلادنا، ونسيح في ربوعها خيرًا لديننا وحفاظًا على أموالنا. والله الهادي إلى سواء السبيل. حمود الشميمري - جدة