هناك مَن يرى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي اليوم على شفا الانهيار، وأنها تعيش آخر لحظات النهاية والسقوط، فهي -كما يقول الأستاذ عامر عبد المنعم- «كثور مذبوح، يصدر خوارًا بصوت مزعج، ويضرب بساقيه وقدميه يمينًا وشمالاً ضربات يائسة، لإرعاب مَن حوله. ربما مَن يقتربون منه وعلى أبصارهم غشاوة يشعرون بقوة اهتزاز ضرباته، لكن مَن يقف على مسافة بعيدة منه يرى نهايته القريبة، ويرى أن الموت مسألة وقت». ولقد صدر في أمريكا مؤخرًا عشرات الكتب التي تتحدث عن انهيار الإمبراطورية الأمريكية، أبرزها كتاب (حدود القوة.. نهاية الاستثنائية الأمريكية)، الذي كتبه آندرو باسيفتش أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن، وكتاب (حرب الثلاثة تريليون دولار) جوزيف ستيجلتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد العام 2000، وليندا بيلمز أستاذة السياسة العامة، جامعة هارفارد. وبالبحث في الشبكة العنكبوتية وجد الأستاذ عامر عبدالمنعم 186.000 عنوان عن (انهيار الإمبراطورية الأمريكية)، و163.000 عنوان عن «سقوط الإمبراطورية الأمريكية»، وبالبحث باللغة الإنجليزية وجد 359.000 عنوان تتناول: The collapse of the American empire ولا يعني السقوط هنا، كما يقول الأستاذ عامر عبدالمنعم أن تعود أمريكا إلى القرون الوسطي، وإنما ستصبح دولة عادية تعيش داخل حدودها، وقد تبقى دولة قوية مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولكن ستنتهي الأطماع التوسعية والاستعمارية، وتنتهي هيمنة الرجل الأبيض على العالم. ويرى أن سقوط الإمبراطورية الأمريكية، والانسحاب من العالم سيأتي بأسرع من كل التوقعات التي يقول بعضها بأنه سيكون عام 2025، وأن هناك مؤشرات اقتصادية وعسكرية وسياسية ستتكاتف جميعها للتعجيل في سقوط الإمبراطورية الأمريكية. ورغم أن توقع انهيار الإمبراطورية الأمريكية هو أمر افتراضي، وتحقيقه غير ممكن، خاصة في ظل الظروف التي تعيشها الدولة العظمى. فالولاياتالمتحدةالأمريكية تتميز بإمكانيات ثقافية وعلمية وتكنولوجية واقتصادية، وقدرات بشرية متنامية، كما أنها دولة المؤسسات المدنية، تُدار بنظام ديمقراطي عريق وناضج، ويتمتع شعبها بأوسع ما يمكن من حقوق، وهو ما يقود إلى القول بصعوبة تصوّر انهيار هكذا دولة، فإن سؤالنا هنا: وماذا سيستفيد العالم من انهيار الإمبراطورية الأمريكية، وعلى وجه خاص، ماذا سيكسب العرب والمسلمون من وراء انهيار الأمبراطورية الأمريكية؟! فإذا ما أزلنا الغشاوة التي يشكّلها الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل على حكمنا على العملاق الأمريكي.. وهو انحياز واضح يشكّل العقبة الكبرى في سبيل قيام علاقات «طبيعية» بين العرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، ورغم كل سلبيات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقتنا، فإنه يجب الاعتراف بأن انهيار الولاياتالمتحدةالأمريكية كارثة عالمية لا يوازيها مأساويةً أي كارثة أخرى! فبانهيار الولاياتالمتحدةالأمريكية -ويتفق على ذلك حتى أولئك الذين يتوقعون، بل ويتمنون هذا الانهيار- «ستنهار البُنى السياسية في العالم كله، وليس في الولاياتالمتحدة وحدها». وهكذا فإنه لا شىء نكسبه عربيًّا، ولا إسلاميًّا، ولا مصلحة نجنيها، من وراء انهيار العملاق الأمريكي؛ لأنه لا شيء سيتغيّر في وضعنا العربي والإسلامي، ولا في قوتنا، ولا نفوذنا. وستحل محل الهيمنة الأمريكية -شئنا أم أبينا- هيمنة عملاق جديد. يفرض قوته على ضعفنا، وقلة حيلتنا وهواننا حتى على أنفسنا!