لمساءات مكةالمكرمة -كما لصباحاتها- رونق وسحر شفيف.. شعاع حنون ينبلج من خلف تخومها الطيبة.. مساء خاشع يتنفس بالصفاء والروحانية ليغسل قلب الزائرين بزمزمها الزلال. “أرض طيبة ورب غفور” إنها همسات العجائز والشيوخ وهم يقتفون خطى الرسول الكريم في طريقهم فوق جبل النور.. أنفاس تتلاحق وقلوب يزلزلها البكاء.. رحلة مجهدة تلك التي أرادها قاصدو “غار حراء” في أعلى الجبل. هنا وضع الرسول قدميه.. وهنا مهبط الوحي ومولد النور.. هنا رفرف جبريل بجناحيه وضم النبي في صدره.. هنا تجلت كلمات الله وتلقى رسوله التكليف بالرسالة. إنها تلك الأرض المقدسة إذن.. والمشهد لا شبيه له من فوق جبل النور.. إنها مكة تبدو كالثريا في هذا المساء الخاشع من فوق صخور الجبل، ومن جوار هذا الغار المبارك، الذي يقصده الآلاف من حجاج بيت الله الحرام سنويًا. همهمات المصلين المختلطة بين الدعاء والبكاء.. دعوات وصلوات تسمع فيها كل لغات الأرض.. وعيون لا تتشابه ألوانها ولكن تتشابه دموع الخشوع فيها.. هكذا يحرص الحجاج الذين تتنوع جنسياتهم؛ آسيوية، تركية إفريقية، وأوروبية، على زيارة المكان وتسجيل تلك اللحظة ليراها كل من هفا قلبه للبيت ولم يستطع إليه سبيلا.. صور تذكارية عند الغار يحاولون فيها استرجاع الزمن ليتلمسوا أثر الرسول عندما كان صلوات الله عليه يتعبد بداخله. على جنبات الطريق يأسرك منظر العديد من العجائز والشيوخ الذين تراهم لا يستطيعون الحراك، فتتساءل كيف وصل هؤلاء إلى هنا؟ رحلة شاقة ولكنها رائعة.. ورغم متعة الحجاج والزائرين بها، ورغم روحانية الزمان والمكان في هذا الوقت بالتحديد، فإن لهم ملاحظات واقتراحات، يرونها ضرورية لتكتمل متعتهم. يقول عبدالرزاق جان إن مرحلة الصعود إلى الغار تستغرق ساعة إلى ساعتين حسب قدرة الشخص ومدى تحمله، مبينًا أنه تم في هذا العام وضع علامات تدل على كمية المسافة المتبقية على الجبل والمسافة التي قطعها الحاج، مؤكدًا أن بعض الحجاج يحرصون على صعود الجبل على فترة واحدة دون أخذ قسط من الراحة، وهذا يشق عليهم كثيرًا، ولو ارتاحوا قليلًا لما كان عليهم من شيء. وأهاب جان بالجهات المختصة إيضاح ذلك الامر للحجاج حتى لا يشق بعض الحجاج على نفسه ظانًا أن فعله تأسيًا بالرسول. ويرى الحاج كريم الرحمن “بنجلاديشي الجنسية” الذي قدم للفريضة برفقة زوجته أن الطريق إلى الجبل يحتاج إلى مزيد من العناية والتعبيد والتنظيم ووضع استراحات تحتوي على بعض وسائل الراحة من مأكل ومشرب، حتى يتسنى لبعض الحجاج كبار السن والمرضى الجلوس في هذه الاستراحات المعبدة والمنظمة متمنيًا من القائمين على نظافة الطريق المحافظة على تنظيفه وإزالة المخلفات باستمرار. وبين كليم الله محمد “هندي الجنسية” أن الطريق إلى الغار يحتاج إلى توفير سيور متحركة حتى يتمكن العديد من الحجاج الصعود إلى الجبل دون أي عناء ودون مشكلات تذكر. وطالب محمد إمام “باكستاني الجنسية” بضرورة تواجد رجال الاسعاف والطوارئ على طول الطريق ليتسنى لهم نقل المصابين وتقديم الرعاية لهم في اسرع وقت، مؤكدًا أن ذلك سيجعل الحجاج يصعدون الجبل وهم في أتم الراحة والاطمئنان. وعلى طريق جبل النور يشير الحاج نعمان عبدالمطلب إلى انتشار بعض الخرافات والبدع لدى بعض الحجاج، في ظل عدم وجود مرشد يدلهم إلى ما هو صحيح، فهناك من يتبرك عند الصخور ويتمسح فيها، وهناك الكتابات على الحجارة خصوصًا داخل الغار ظنًا منهم أن ذلك التوثيق شفيعًا لهم، لذلك يجب أن يكون هناك مرشدين يدلون الناس إلى صواب العمل والسلوك لتتم الفائدة من تلك الرحلة المباركة.