الهزيمة التي تلقاها الحزب الديمقراطي من خلال الانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ بأمريكا، هي بدون شك أكبر هزيمة تلقاها الرئيس الأمريكي باراك أوباما. انتخاب أوباما جاء انعكاسًا للرغبة الجامحة في التغيير التي اجتاحت المزاج الأمريكي العام، بعد حدوث الأزمة الاقتصادية التي تشبه الانهيار، وبعد سنوات من السياسات الخارجية التي كرست المغامرة العسكرية بصفتها الأداة الرئيسة للتعاطي مع المشكلات الأكثر سخونة في العالمين العربي والإسلامي. أوباما دخل البيت الأبيض في ظل مطالبة الناخب الأمريكي له بتحقيق وعوده القاطعة بإنعاش الوضع الاقتصادي، وبتخفيض حجم الإنفاق العسكري التي تضخم على يد الإدارة السابقة إلى مستويات لم تعرفها الولاياتالمتحدة من قبل. لكن أوباما بعد سنتين من جلوسه على سدة الحكم في البيت البيض سجّل فشلاً غير مسبوق لرئيس أمريكي من قبل. أوباما خسر تأييد الفقراء والطبقة الوسطى، ولم يكسب تأييد الأغنياء، أو يقلل من حدة معارضتهم. وهو فشل في تحقيق وعوده بإنعاش الاقتصاد، كما فشل في التخفيف من حدة الإرث الثقيل في السياسة الخارجية. أوباما لم ينجح في إقناع الأمريكيين بجدوى برنامجه الإصلاحي لانتشال الاقتصاد الوطني، فأغضب الناخب الذي وضع ثقته فيه، ولم ينجح في كسب رضا القوى المتنفذة، والقادرة على التأثير في اتخاذ القرار. أوباما لم ينجح في الاحتفاظ بالرغبة المتأججة في التغيير لدى الجمهور، فخسر المتحمسين، ولم يكسب رضا المتحفظين والمعارضين. هل فشل أوباما مع الناخب الذي أوصله إلى البيت الأبيض..؟ أم أن الرغبة في التغيير لم تكن متجذرة في وعي ولا وعي الناخب، وإنما كانت مجرد ردة فعل وقتية للسياسات الكارثية التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق دبليو بوش؟ بالتأكيد فإن أوباما لا يمتلك عصا سحرية لمعالجة الآثار الكارثية التي ترتبت على أداء وسياسات الإدارة السابقة، وبالذات تلك المتعلّقة بالجانب الاقتصادي. والإحساس بالإحباط من قبل الناخب، يدل ليس فقط على التسرع في قطف ثمار خطة الإصلاح التي اعتمدها أوباما، ولكنه يدل أيضًا على أن الأمريكيين لم يؤمنوا بالتغيير كضرورة، وإنما لجأوا إليه باعتباره حلاً سريعًا أو سحريًّا لمشكلات تراكمت منذ عصر الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان، الذي دشن لعهد الرأسمالية السافرة . ذهنية التغيير في أمريكا ما زالت هشة للغاية. [email protected]