الضجة التي ثارت حول السماح للمرأة بالعمل ككاشيرة، هي ضجة مفتعلة، ولا يمكن فهمها. المرأة موجودة منذ زمن في العديد من مجالات العمل التي تستدعي بطبيعتها وجود نوع من التعامل مع الرجل. والحديث عن عمل المرأة ككاشيرة، وكأنه سابقة تاريخية في مجال عمل المرأة، هو حديث يهدف إلى الاستهانة بعقول الناس. ما الفارق بين عمل المرأة ككاشيرة، وعملها كموظفة استقبال بالمستشفيات..؟ ألا تقوم موظفة الاستقبال بالمستشفيات بالتعامل المباشر مع الجمهور..؟! ألا تقوم موظفة الاستقبال بالمستشفيات بحجز المواعيد، واستخراج الملفات، ومنح المراجعين البطاقات المدوّن عليها أرقام الكشف..؟! وألا تقوم موظفة الاستقبال بالمستشفيات -حالها حال الكاشيرة في السوبر ماركت- بمهمّة تحصيل النقود من الناس من رجال ونساء على حد سواء؟! ومن ناحية أخرى، فقد أقرّت أنظمة الدولة ممارسة مهنة التمريض للنساء، ولم يحدث أن ثارت كل هذه الضجة التي تخللها نقاش محموم أفضى إلى إصدار فتاوى التحريم. وكلنا يعلم أن مهنة التمريض تستدعي القيام بمهمات قد تكون أولى بإثارة تحفظات المعارضين أكثر بكثير من المهمات التي يستدعيها عمل المرأة ككاشيرة.. فما الذي يحدث بالضبط؟! المسألة كما أرى أكبر من مجرد السماح للمرأة باقتحام مجال عمل جديد من نوعه، لكنه قديم ومعتاد من حيث طبيعته التي تسمح للمرأة بالتعامل مع الرجل مباشرة، وإن كان هذا التعامل يظل محدودًا في أضيق نطاق. المسألة في رأيي مجرد انعكاس لمناخ عام يتسم بالصراع الحاد بين التيار المحافظ وبين المختلفين معه. ولكسب جولات جديدة من الصراع يتم استخدام قضايا المرأة حتى ولو أدّى ذلك إلى إيقاع المزيد من الظلم عليها، وحتى لو تضررت بسبب ذلك نساء من شعبنا هنّ في أشد الحاجة إلى توفير فرص جديدة للعمل. لقد وصلنا بفضل مناخ الصراع هذا، إلى الوقوع في تناقضات مخجلة، حيث لم يتم معارضة عمل المرأة كخادمة، رغم ما يتّسم به هذا المجال من (اختلاط) يصعب تحديد نطاقه، في حين أقام البعض الدنيا ولم يقعدها عند صدور قرار السماح للمرأة بالعمل ككاشيرة! يبدو أن عمل الخادمة لم يثر حفيظة المتحفّظين، لأن طبيعة هذا العمل تسمح بإلحاق مزيدٍ من الإهانة بالمرأة.