قال الشيخ الدكتور هاني بن عبدالله الجبير القاضي بالمحكمة العامة ردا على سؤال وجهته (المدينة) عن الضابط الشرعي في رفض الكثير من المسائل الخلافية الفقهية التي تعارض مذهبا فقهيا معيّنا ويعدون ذلك خروجا لا ينبغي السكوت عليه فيحدث الهجوم والهجوم المضاد حين بروز ذلك الرأي الفقهي المخالف للمذهب : هذا جزء من ثقافة الاختلاف التي نفتقدها حيث نرى أن بعض الناس لايقبل القول غير الشائع بين المفتين في بلده أو لا يقبل القول الذي لا يوافق المذهب الذي نشأ عليه، أو لا يوافق القول الذي لم يسمع به من قبل ولو كان قولا موجودا ومعروفا، هذا جزء من ثقافة الاختلاف التي قد تكون ضعيفة عندنا، وفي المقابل أن وجود مثل هذا الأمر يعتبر شيئا جيدا وطيبا، لأن الاندفاع ضد الشئ الجديد هو أمر طبيعي في البشر، فأي إنسان يكره أن يغيّر شيئا من الأمور التي قد اعتاد عليها، لأنها طبيعة مستقرة عند الإنسان لا تستنكر لكن الواجب على الإنسان عندما يريد أن يأتي بشئ جديد أن يقدمه بأسلوب مناسب مقبول عند الناس، أما أن يريد أن يتكلم مع الناس بشيء لم يعتادوه ويتقبله الناس فهذا ليس من الطبيعة الأصلية، وانا أعرف من الناس ربما أن يلبس غترة بيضاء بدل الشماغ ما عرف وربما لفعل العكس لا يعرف، فالإنسان أسير طبعه وأسير ما اعتاد عليه فما بالك بالرأي الذي تربى سنوات طويلة ويرى أنه جزء ليس من تكوينه الثقافي بل جزء من دينه واعتقاده، إذن هذا التغيير لا بد أن يكون تدريجيا بشكل مقبول وسيواجه الإنسان ولابد بشيء من المعارضة، وهذه المعارضة اعتبرها شيئا إيجابيا لأنها تفرض على الإنسان حينما يتكلم أن يحسن الكلام وأن يثق برأيه قبل أن يبديه لأنه سيعرف أنه سيقابل باستنكار المجموعة لهذا الجديد، كما أن هذا الاستنكار جزء من الطبيعة البشرية، ولا أرى في هذا مشكلة لأن مثل هذا الواقع شيء إيجابي. جاء ذلك خلال محاضرة فضيلته بمسرح الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة مكةالمكرمة مساء أمس الأول والتي نظمها النشاط المنبري بنادي مكة الثقافي بعنوان( الرحمة في الاختلاف)، بدأها ببيان أهمية الموضوع وأن الخلاف قد ولع به قديما وحديثا خاصة بين المفكرين، مادحا الأثر المترتب على الاختلاف. وتطرق الدكتور الجبير إلى الأسباب والأضرار المسببة للاختلاف والتفرق، مؤكدا أن وجود الاختلاف يفضي إلى التقدم والتطور لأن وقوع الاختلاف بين الناس سنة ربانية بشرية في أحوالهم ونواحيهم الحياتية المختلفة. وقال: إن الاختلاف سجية في بني البشر للتفاوت في قدراتهم وإمكانياتهم واختلاف ظروفهم، مقررا أن الاختلاف في الرأي ووجهات النظر أمر ضروري بين الناس ولا بد منه ويحمل الكثير من الآثار الحميدة. وعرج الجبير على الآثار الحميدة للاختلاف من النواحي العلمية الشرعية والتي كان من آثارها ظهور علم الجدل وأصول الفقه، كذلك النتاج العلمي الرصين الغزير بين العلماء. وقسم الاختلاف الشرعي إلى ثلاثة أقسام وهي: الخلاف اللفظي واختلاف التنوع واختلاف التضاد، مبينا أن الاختلاف في التنوع خلاف حكمي مبني على خلاف الشخص في الزمان والأحوال ودلل على ذلك الخلاف بأدلة شرعية وأمثلة واقعية، مشيرا الى أن الاختلاف في التنوع ليس فيه تضاد بين القولين في المسألة الواحدة، لافتا أنه عند الاختلاف في التنوع يراعى الزمن الذي يعيش فيه الشخص، فيما قال: إن الاختلاف في التضاد هو الاختلاف الحقيقي. وأكد الجبير أنه ما ظهر محقّق في اتباع مذهب من المذاهب الفقهية إلّا وقد خرج عن مذهبه في مسائل متعددة ورأى فيها خلاف ما رأى المذهب، شارحا أوصاف الاختلاف والفرقة، مؤكدا أن الجمود المذهبي هو السبب في النفرة بين اتباع المذهب، محذرا من هذا الجمود الذي أوجد أناسًا لا يتعاملون مع الواقع. وخلص من محاضرته بالقول إلى أن الاختلاف قد يكون رحمة إذا كان مبنيا على علم ومما يجوز فيه الاجتهاد ولم يتضمن شرّا على الأمة، أما إذا أفضى إلى التنافر ولم يبن على علم واعتمد على التعصب والمفسدة فهو مذموم، مؤكدا أن الأمور التي خلقها الله في هذا الكون ليست محضة فلا خير محض ولا شر محض، مؤكدا أن الاختلاف لا يلازم الفرقة وإن كان بعض الأحيان يؤدي إليها لكن المنهي عنه الفرقة لا الاختلاف. مداخلات شهدت المحاضرة مداخلات عدة ابتدأها عضو مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الدكتور حامد الربيعي وقدم فيها شكره للمحاضر، متطرقا إلى الاختلاف والتضاد الشاسع بين لفظتي الخلاف والاختلاف قائلا: هما من بابين مختلفين لا يلتقيان أبدا.. فالاختلاف ظاهرة جيدة لأن الحياة تقوم على الثبات والحركة فالاختلاف حركة والخلاف ثبات، ولذلك كان الاختلاف ثراء فكريا واجتماعيا وشرعيا والنصوص حثت على ذلك، أما الخلاف فهو مسألة مذمومة، مشيرا إلى الخلط الواضح في عصرنا بين المصطلحين والإفراط فيهما. تلاها مداخلة سلمان البقيدي الذي تساءل عن الخروج عن رأي الجمهور والخروج عن العلماء فيما لا نص فيه ألا يعد خروجا مشكلا فيه. ثم توالت الأسئلة على المحاضر والذي أجاب عليها معقبا على المتداخلين فيما ذهبا إليه، مؤكدا أن الاختلاف سائغ بين العلماء إذا كان مبنيا على علم، أما الأمور التي حكم فيها الشرع حكما قطعيا كالزنا والقتل وما شابه ذلك فلا مجال فيها للاختلاف والاجتهاد فيها، وما عدا ذلك فهو سائغ تترتب عليه المفاسد والمصالح. مشاهدات: - قدم للمحاضر والمحاضرة الدكتور أحمد محمد اليماني عضو هيئة التدريس بجامعة ام القرى. - تواجد أعضاء مجلس إدارة النادي يتقدمهم الدكتور محمد المريسي والدكتور حامد الربيعي والأستاذ سهل المطرفي. - لم يرتق الحضور لأهمية الموضوع ومكانة المحاضر. - حظيت المحاضرة بتشريف بعض المثقفين والاكاديميين يتقدمهم وكيل جامعة أم القرى سابقا الدكتور هاشم حريري. - وزع النادي 5 مؤلفات من إصدارات النادي على الحضور.