* عندما عدت من بلاد الفرنجة وحططت الرحال في مدينة جدة – وكان ذلك قبل ما يقرب من ربع قرن من الزمن – كنت أعرف نفراً في ساحة الفكر والثقافة والأدب وكان في مقدمتهم أستاذ الجيل محمد صلاح الدين الدندراوي، وقصدت مكتب أخينا العزيز الأستاذ علي محمد حسون في صحيفة المدينة، فوجدت من بين الجلوس شاباً أنيقاً في ملبسه مهذباً في حديثه، رشيقاً في عبارته، ولم يكن ذلك الشاب سوى الأخ محمد صادق دياب، وكان مسؤولاً آنذاك عن ملحق الأربعاء، وكانت معركة الحداثة تلقي بظلالها على كل شيء بدءاً من قسم اللغة العربية وانتهاء بنادي جدة الأدبي. * واختار الدياب منهجاً وسطاً في تناول تلك القضية – في الوقت الذي كانت فيه بعض الملاحق اختارت منهجاً إقصائياً وأحادياً. * وبرز اسم المفكر الأستاذ أحمد الشيباني –رحمه الله- من بين تلك الأقلام التي كانت تحاول أن تبرهن على وجودها في الساحة ولكن «الشيباني» لتراث فكري يحمله، ولغات عالمية حية يجيدها كان الأقدر وأعتقد أنه وضع حداً فاصلاً بين من يعرفون عن عمق وبين من لا يعرفون شيئاً، كانت المعركة تدور على صفحات الأربعاء وكان «أبوغنوة» لا يتدخل ولا يحابي بل كان قادراً أن يكسب ثقة الجميع، وانطلق عزيزنا في ميدان الصحافة. بعد ذلك بدءاً من «سيدتي» ومروراً ب «اقرأ» و»الجديدة» ثم حط رحاله في الحج. * وتوثقت العلاقة بيني وبين «الدياب» عن طريق الإنسان النبيل الأستاذ عبدالمحسن حليت ووجدت أن ما يجمعني ب»عزيزنا» الدياب كثير جداً فبعيداً عن الأدب وشجونه كانت الحارة القديمة في مكةوالمدينةوجدة حاضرة في أحاديثنا كلما التقينا على ضفاف شاطئ جدة التي أحبها وكتب عن تاريخها وأمثالها ورجالها بأسلوب أدبي رفيع، ولو تفرغ «الدياب» لكتب الرواية عن اقتدار من بين أزقة العلوي والمظلوم واليمن، ويبقى في الجعبة الكثير عن الدياب الشهم، والقادر على صنع الأصدقاء من بين مختلف الطبقات وعلى تباين أمزجتهم، ولقد أخفى شيئاً من معاناته عن الآخرين لسبب بسيط وهو أنه كان يحب الحياة على علاتها. * بقيت كلمة أُزجيها لإنسان يحمل بين جوانحه الحب لكل من حوله ويقف معهم إذا ما تعثرت منهم الأقدام في دروب الحياة إنه معالي الأب الروحي السيد أحمد زكي يماني فله الدعاء بالصحة وطول العمر ولأبي غنوة بالشفاء والعود الحميد.