هيّأ حفل التدشين الذي أقامه الدكتور فهد العرابي الحارثي لكتابه الجديد “المعرفة قوة.. والحرية أيضًا!” بفندق هيلتون جدة أمس الأول الفرصة أمام عدد من المثقفين والإعلاميين لاستعراض الكثير من أوجاع وآلام الوطن العربي في مجالي التنمية والمعرفة، مشيدين بما تميز به الكتاب من جرأة في الطرح، وتقديمه للمقترحات المضيئة في سبيل الخروج من النفق.. استهل الحفل الدكتور سعود كاتب باستعرض بعض المقاربات بين تجربة النجاح والتطور في ماليزيا وما يرمي إليه كتاب العرابي، مشيدًا بما جاء فيه في سياق قوله: وقفت كأي مواطن عربي تحاصرني كثير من علامات الاستفهام والتعجب، إلى أن وقع في يدي هذا الكتاب الرائع الذي أجزم بأنه أفضل وأقرب ما قرأت إلى نفسي وإلى التعبير عن همومي وتطلعاتي، ووضع إجابات لكل ما يجول بخاطري من علامات الاستفهام والتعجب تلك، إنه كتاب (المعرفة قوة والحرية أيضًا) للدكتور فهد العرابي الحارثي، الذي لم يكتفِ بتشخيص الحالة العربية وما تعانيه من أمراض جسدية ونفسية في ثلاثة عشر فصلًا و620 صفحة من القطع الكبير.. لا تشعرك وأنت تقرأها بالملل ولا بالكلل. كتاب موثق يتميز بمنهجية عالية مدعمة بالأمثلة والأرقام التي تكسبه مزيدًا من المصداقية. وهو بذلك بحق إضافة قيمة للمكتبة العربية. الكتاب المفاجأة تلاه الدكتور عبدالله المناع مقدمًا قراءة متأنية لمحتوى وفحوى الكتاب واصفًا إياه ب”المفاجأة”، مبينًا أن أعظم ما استلفته في هذا الكتاب إجمالًا هو أنه تناول قضيته الرئيسية من منظور عربي لا قطرية ولا إقليمية فيه، وكان أشجع ما فيه هو حديثه عن الحرية وأزمتها.مشيرًا إلى أنه اكتفى لضيق الوقت بقراءة «الملخص» و«المقدمة»، إلى جانب فصلي الكتاب الأولين عن: «الحرية» و«المعرفة».. باعتبارهما ركيزتي الكتاب، وقاطرتي اللحاق ب “القرن الواحد والعشرين”.. مضافًا إلى أنهما يمثلان خمس حجم هذا الكتاب، مبينًا أنه وقف بعد قراءتها عند محطات ثلاث: «الأولى» من الفصل التاسع المعنون ب “سلطة الغرب.. ليست أحجية”، و“الثانية” عن «دورة الحضارة» في حياة الأمم عبر القرون.. كأن تتخلف أمة عن دورة من الزمن، ثم تعاود تقدمها ثانية نتيجة لما يسمى ب “حتمية الدورة الحضارية”.. و“الثالثة” عند تلك النتيجة المذهلة والمضحكة التي وصلت إليها البروفيسورة إلين ج لانجر أستاذة علم النفس في جامعة هارفارد وهي تجري بحثها عن (التعلم الواعي).. عبر ثلاثة مكونات: القدرة على «الاختيار»، والقدرة على حل الألغاز والأحاجي بمساعدة، ودون مساعدة، و“الفراغ العقلي”.. وجوده أو عدمه عند تلك المجموعة، وكيف يحكم الأشياء ويتحكم فيها.. عندما أوردت قصة تلك المرأة التي كانت تقوم في مطبخ بيتها باستئصال أجزاء من «الديك الرومي» قبل وضعه في الفرن لطهيه، وعند سؤالها عن السبب؟ أجابت بأن «هذا ما كانت تقوم به أمي دائمًا»، فسئلت الأم من جهتها، فكانت إجابتها مشابهة لإجابة ابنتها، فوالدتها كانت هي الأخرى تفعل ذلك، فسئلت الجدة التي أجابت ببساطة:ب “أن هذه الطريقة الوحيدة التي يتناسب فيها حجم الديك مع حجم حلل الطهي المتوفرة لديها”، لتكشف البروفيسورة حجم التبعية غير الواعية في اتخاذ القرار.. وما ترتب عليه من «إهدار جزء كبير من اللحم الجيد»، ولتنتهي إلى نتيجة أعظم ب “أن علينا ألا نتلقف الحلول.. بل أن نجتهد في البحث عنها”!! ماضيًا إلى القول: لقد قدم الدكتور فهد في سفره هذا.. نقدًا موضوعيًا ساخنًا للتجربة العربية المعاشة في مواجهتها الضعيفة مع القرن والواحد والعشرين، يرقى إلى مرتبة الوقفة الفكرية الكبرى التي وقفها مثقفو القرن العشرين عند بداياته.. أمام منجزات الحضارة الغربية: بين «مؤيد» لها إلى حد الانسلاخ عن حضارته العربية الإسلامية، و“رافض” لها.. إلى حد القطيعة معها، وثالث قبل بأحسن ما فيها.. وترك أسوأ ما فيها. مختتمًا بقوله: لقد قيل ذات يوم في نقد أحد مفكري الجزيرة العربية الكبار.. ب “أنه عكر الماء.. ولم يوجد البديل”، ولكن الدكتور فهد الحارثي.. وإن عكر الماء إلا أنه أشار إلى البديل: “الحرية”و“المعرفة”.. وعلى المعنيين قراءة ما كتب، وأخرجه للناس في أشجع وأبهى وأحلى صورة. المؤلف والفكر عقب ذلك تحدث الدكتور العرابي حول فكرة كتابه الرئيسية المتعلقة بمستقبل الأمة العربية، متطرقًا إلى بعض المفاهيم التي تحاكي واقع المستقبل المرجو والتي وضعها العرابي عنوانًا لكتابه، متسائلًا عن تقلب البيئات النقية في المجتمعات الأخرى عندما تنتقل إلى عالمنا العربي فإنها تصبح مشوّهة التي قادته إلى السؤال الكبير “من المسؤول؟” وهو ما ألمح إليه في كتابه بالقول: “كل ذلك يعود إلى عدم قناعة المؤلف -مؤلف الكتاب- بواقع المجتمع التي كوّنها الفقر والجوع والتخلف والصراعات وغيرها وهو ما جعله يهتدي إلى وضع 600 صفحة في كتاب؛ مرجعا السبب إلى ضعف العلم وغياب الحرية واستعرض فساد التعليم وتداعي الحرية. وألمح إلى أن عمارة الأرض هي منجز إنساني مستعرضًا تقرير استراتيجية تطوير التربية العربية وما خلص إليه من ضعف الكفاية الداخلية للنظم التعليمية العربية وما أرجعه في ذلك إلى بعض المؤثرات ومنها هبوط مستوى الإنتاجية في العمل إلى العديد من الأسباب التي ذكرها في سياق حديثه، مشيرًا إلى أن تدني مستوى التعليم يعود إلى المعرفة السهلة والمعلبة، كما تطرق إلى الواقع الاجتماعي الذي قرنه بالمجتمع التربوي التعليمي، واصفًا إياهما بأنهما يشبهان بعضهما البعض. كما استعرض ضعف كراسي البحث العلمي في الجامعات برغم بصيص الأمل مؤخّرًا والذي قام من خلال بعض الجامعات كجامعة الملك عبدالله وغيرها، ووصف البحث العلمي أنه سلاح مهمش، مقارنًا بين تجربة أمريكا وأوروبا وإسرائيل في البحث العلمي، مستعرضًا الأرقام الفلكية التي تصرفها تلك الدول على بحثها العلمي، خالصًا إلى القول: “نحن كأعضاء تدريس في الجامعات وأنا منهم لا نخرّج إلا موظفين أو أشباه علماء” لافتًا إلى أن الفوائد والعوائد الاقتصادية والتي تصرف على التعليم تعادل 43 مرة ما صرف عليه إذا كان ما صرف عليه بطريقة مدروسة، مشددًا في ختام حديثه على ضرورة إعادة النظر في التعامل مع مؤسسات البحث العلمي. شهادات حول الكتاب وقد قوبلت كلمة العرابي في الحفل بالعديد من ردود الفعل، حيث أشار عائض القرني عضو نادي جدة الأدبي إلى أن الدكتور العرابي دائمًا ما يأتي بالجديد والجريء في نفس الوقت، أكثر من كونه قد يكون قد نكأ الجراح فقط، معتبرًا أن كتابه يحمل بصيصًا من الضوء في واقع البحث العلمي. فيما اعتبر مدير إدارة التربية والتعليم بجدة عبدالله الثقفي أن الكتاب يعتبر بوصلة للكثير من المشكلات سواء الاجتماعية أو التعليمية، كما أنه فاصلة ما بين جيلين قديم وجديد. أما الشاعر الدكتور عبدالواحد الزهراني فيرى أن كتاب العرابي حديث نفس لكل مواطن، أجاد فيه مؤلفه في الإيجاز عن فكرة كبيرة وأعطى فلاشات رائعة تعطي القارئ لمحات موجزة للمضمون. ويقول الكاتب ثامر الميمان: يبدو أننا أمام تجربة جديدة من الكتابة ونحن نقرأ له من مدة طويلة، فهو زميل ومعلم ومدرس، ولكن الذي جمع بين الحرية والعلم في مكان واحد الكتاب جدير بأنك تقرأه وهو أشار بألا يقرأ الكتاب أحد، وهو نوع من ترويج للكتاب ولكننا سنقرأه وقرأنا ما هو أسوأ؛ ولكنني أعتقد أن الكتاب يبشر بخير. عضو نادي جدة الأدبي الدكتور يوسف العارف قال: أشعر أنه فعلًا كتاب العصر وكتاب الموسم، ونحتاج فعلا إلى أن نتداخل معه ونناقشه وليست فقط قضية الكتاب أن تؤمن بكل ما فيه لكن أن تناقش الورقة، وأنا أؤمن بالعنوان فهو المتفاح الحقيقي للكتاب أن نوقن أنه لا توجد حرية في بلادنا العربية وأن نوقن أن معرفتنا ناقصة وهذا ما يحتاجه الإنسان السعودي أو الإنسان العربي بصفة عامة. فيما يقول الدكتور زيد الفضيل: أول ما تبادر إلى ذهني الشعور المتراكب بالإحباط لأنني كنت أتصور بأن هذه المعلومات، التي تحدث بها الدكتور هي خاصة بمحيط المثقفين البعيدين عن صنع القرار أو الذين ليس لديهم اتصال بصنع القرار أو أن يكون هذا مطروحًا في ذهنية شخصية مثل الدكتور العرابي عضو مجلس شورى ورئيس مركز دراسات وقريب من صناع القرار، ولازلنا على ما نحن عليه؛ أي بمعنى أنه لم يتم تحويله إلى برنامج عمل فهذا حقيقة كثف من إحباطي، ومما لا شك فيه أن الدراسة يظهر أنها مهمة وقوية ونعكف على قراءتها ويجب على المجتمع الثقافي أن يتفاعل معها حتى نبلورها بعد ذلك ضمن برامج عمل حتى يكون لمثل هذا العمل فائدة. كذلك تمنى الدكتور محمد الغامدي أن تكون مضامين هذا الكتاب ضمن استراتيجية تتبانها المملكة كخطة معرفية ثقافية للوصول إلى العالم الأول، بينما أشار أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور سعود كاتب إلى أن الكتاب قيّم وأن أهم الموضوعات فيه ما يتعلق بما يعيقنا عن النمو. وشارك الدكتور سعيد الغامدي في تقديم انطباعه عن الكتاب وكلمة المؤلف بقوله: أتمنى أن تكون المحاضرة التي ألقاها الدكتور فهد كمقدمة لكتابه أن يذهب بها لمدرجات الجامعات حتى يسمع الجيل الجديد هذه التصورات ويتعظوا منها، وربما يثير فيهم الحماس والتوق إلى إنجازات أفضل، فأنا لم أقرأ الكتاب حتى الآن، ولكنني سوف أقرأه، عنوانه KNOWLEDGE IS POWER هذا الكتاب قرأته قبل 20 سنة باللغة الإنجليزية، والدكتور فهد أضاف عليه والحرية أيضًا، وأنا واثق بأن هذا الكتاب موثق ويستحق القراءة، ولكن أتمنى على الدكتور فهد أن يذهب بمحاضراته هذه إلى مدرجات الجامعة وإلى المعاهد العلمية والتقنية حتى يستفيد منها الشباب.