نظرة الشك التي تُمَارس تجاه المطلقات والأرامل جزء من ثقافة المجتمع -هذه حقيقة لا بد أن نعترف بها-؛ لأن الاعتراف بوجود المشكلة هو بالتأكيد أول خطوات الحل الذي نطمح أن نُحققه لانعكاساته الإيجابية على الاستقرار النفسي، وتحقيق الاندماج الكامل لهن كأعضاء فاعلات في مُحيطهن الاجتماعي. إن التأثير السلبي لمثل هذه النظرة يتعدى التسطيح الذي نتعاطاه، والإهمال غير المُبرر للمعاناة والضغوط التي يواجهونها صباح مساء من أباعد الناس ناهيك عن أقرب الأقربين، الذين سلَّطوا سياط الاتهامات عليهم، وكأنهم قضاة توافرت لديهم القرائن المحسوسة والملموسة في قضايا المتهم لا ناقة له فيها ولا جمل، ولم يتبقَ إلا إصدار الأحكام لكي يتخلصوا من هذه الفئة، -خاصة المطلقة- التي وصموها بأقذع الأوصاف، وحملُّوها تبعات طلاقها، وحاصروها في مساحة تلتحفها نظرة دونية قاسية، وجريرة ارتكبتها ما كان يُفترض عليها أن تفعلها، متجاهلين النصف الآخر والأهم، بل وصاحب القرار في تتويجها بهذا اللقب البغيض، وواقع الحال يقول: إنها لا تتجاوز أن تكون أوهامًا صنعتها العقول المريضة الموسومة بتتبع أحوال الناس، متجاهلين التوجيهات النقلية والعقلية الناهية عن ارتكاب مثل هذه الأفعال المشينة. تواجه المرأة المطلقة أو الأرملة -على حدٍ سواء - سيلًا من التداعيات السلبية بمجرد أن تكتسب هذا اللقب المُميت، ولا تجد من يُخفف مُصيبتها إلا النزر اليسير من أصحاب القلوب الرحيمة -الذين تناقصت أعدادهم في زمننا الغابر- نتيجة برودة المشاعر، وتكلُّس الأحاسيس، وتنامي التواصل السلبي لصلة الرحم. لستُ متشائمًا بقدر ما هي الحقيقة المؤلمة التي كشرت عن أنيابها جراء لجوئهن بعد حصولهن على هذا اللقب إلى الجمعيات الخيرية لطلب الصدقة في تجريد فاضح لكل القيم الإنسانية، وتهميش واضح لكل الأصوات المنادية بالحلول المبنية على تحويلهن من فئة مستهلِكة إلى فئة مُنتجة ؛ وهذا كله يرجع إلى الإسقاطات السلبية التي جعلت هذه الأصوات الإيجابية – في نظرها - أبواقًا للمؤامرة التي عشعشت في خيالهم المريض، وتلقفها رعاع القوم الذين آمنوا بها على علتها، وشمروا عن سواعدهم المفتولة للدفاع عنها. إن الحل العملي – من وجهة نظري – هو التأكيد على ما نادى به الكثير بشأن إنشاء جمعية خاصة للمطلقات والأرامل؛ تقوم بدور غير تقليدي، يبدأ من مواجهة الضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرضن لها، مرورًا بالعمل على اختلاق فرص للعمل التي تتواءم مع وضعهن وإمكاناتهن، وانتهاءً بضمان حياة كريمة لهن تقيهن ذل السؤال، وسطوة النظرة، وألم الفراق. هذه الجمعية يجب أن تأخذ في الاعتبار المنظور المؤسسي الذي يبتعد عن الفردية والاجتهاد، بالقدر الذي ينبغي أن ترتكز جُل أعمالها ونشاطاتها على الأساليب الإبداعية التي تجعل من هذه الفئة عضوات فاعلات يشعرن بكيانهن المستقل، ودورهن في الحياة، وأنهن لسن عالة على مجتمعهن بل عونًا له. همسة حانية لكل مطلقة.. وأرملة.. كُنَّ مع الله.. فلن يخذلكن أبدًا. [email protected]