إن أحببت يومًا -لا قدر الله- أن تجرّب الشعور بالخوف فافتح إحدى علب الدواء واقرأ الآثار الجانبية لعلاج الزكام البسيط الذي تمرّ به لتقنع نفسك بأنك تستطيع الصبر على الألم بدلا من معايشة التجربة المرعبة مع استعراضك لعشرات الآثار الجانبية التي تحسّ بأن كاتبها أقرب لعمل المحاماة من الطب. سألت نفسي: على عكس ما هو معروف.. هل هناك آثار جانبية إيجابية لظواهر سيئة أو مؤلمة؟! ما لبثت حتى قذف اللاوعي في رأسي بمثلٍ عتيقٍ قد علا عليه الغبار وأحاطه، وفيه مجموعُ جوابٍ لهذا السؤال، وهو (ربّ ضارةٍ نافعة)، وباستحضار العديد من القصص والحوادث الطريفة والغريبة والمؤلمة ستجد أن لها آثارًا إيجابية كانت نافذةَ أملٍ ورجاء لأصحابها. مثلًا.. سلكٌ كهربائي عارٍ كان سببًا في شفاء الأردني معين عمران من عجزٍ نسبته 75% في جسده فاجأه على صحته وعافيته، وقلب حياته رأسًا على عقب، ولكن الرأس عاد إلى مكانه والعقب إلى موضعه بعد ماسٍ كهربائي كاد أن يفتك به، بيد أنه نجا من موتٍ محقق وسبّب له غيبوبة ثلاث ساعات صحا منها وهو في كامل عافيته. وبعض الأضرار قد لا ترفع أذى جسديا أو ماديا في المقابل، لكنها تحيي روحًا أنهكها اليأس، وتركها تعيش في جوٍّ سلبي ملوثٍ بمعاني الفشل والرضوخ، ولكم في قصص بعض أصحاب الاحتياجات الخاصة عبرة، ففيها العجب، والقصص كثيرة عمن لم تمنعه إعاقته عن العمل الشريف، والنجاح الجامعي، والاختراع المعقد، كخالد الدخيل المعلم الذي لم يعقه شلل رجليه عن إكمال عمله في سلك التعليم بحزم وإصرار على ما ناله من تثبيط، وعمار بوقس المتميز في مجال الإعلام دراسة وممارسة على حالته الصعبة بالنسبة للكسالى، ومهند أبو دية.. المخترع السعودي المعروف.. الذي أنهكت جسده الأمراض والحوادث غير أنه صار أكثر نشاطًا وحيوية، وغيرهم كثير ممن لم تؤثر آلامهم الحسية على أرواحهم وثقتهم بأنفسهم على عكس من يُطلق عليهم اليوم مصطلح «الأصحّاء المعاقون» ممن صحّت أجسادهم وأعيقت عزائمهم. قيل: «عندما يُغلق باب السعادة.. يُفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا « مقولة جميلة.. وسيرة قائلتها الأديبة الأمريكية هيلين كيلير شاهدة على ذلك، فقد اجتاحها المرض في سن مبكرة جدا (قرابة السنة من عمرها) حتى تمكن من سمعها وبصرها.. وأعاقها ذلك عن النطق والكلام السنوات الطوال، ومع ذلك فقد تعلمت خمس لغات، وحصلت على الدكتوراة في اللغة والدكتوراة في الفلسفة، وكان لها صولات وجولات في كتابة المقال والتأليف.. . حين تقرأ سير هؤلاء، تعلم جيدًا أن مصطلح التعجب والاستغراب من الآخرين هم أولى به منّا، إذ حُق لهم أن يعجبوا ممن أنعم الله -تعالى- عليهم بالعافية ومع ذلك فقد رضوا بالقليل من العلم والمعرفة والبذل.. وربما رضخوا للجهل، واستسلموا أمام عقباتٍ ناعمةٍ وبسيطة إذا قارنتها بالعقبات التي واجهتها هيلين ومن هم في مثل حالتها من الناجحين رغم المرض. راكان الحمود