الوطن: قيمة سامية. الوطن: كرامة للنفس. الوطن: هوية للذات. الوطن: حلم وردي للأجيال. الوطن: مسؤولية. الوطن: تضحية. الوطن: إيثار. كلمات قليلة العدد.. كثيفة المعنى.. عميقة المدلول.. استنطقتها وأنا أنوي الكتابة عن الوطن في يومه المجيد.. هذا اليوم الذي طوي معه ثمانون عاماً من الكفاح المستمر في كافة المجالات بدءًا بمرحلة التأسيس الأولى التي قادها غضنفر الجزيرة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مروراً بمرحلة بناء أنظمة الدولة بمفهومها الحديث، وانتهاءً بمرحلة الوجود المؤثر للدولة على كافة الأصعدة وفي كل القضايا، والتي قادهما أبناؤه البررة من بعده. إن يومنا الوطني يعني وحدتنا التي لن نتنازل عنها؛ لأنها خارطة طريقنا لتحقيق أهدافنا، وسلاحنا الذي نوجهه لمن يرنو لنا بعين التصيِّد في الماء العكر، وأنشودتنا التي نُردد مفرداتها صباح مساء ابتهاجاً بها، وقوتنا التي نستند عليها متى ما أحوجتنا السنون إليها. هذا اليوم الذي تآلفت فيه القلوب، وتوحدت فيه التوجهات، وانصهرت فيه المصالح الذاتية في بوتقة المصلحة الجماعية، وانطلقت رحلة البناء والنماء من الصحراء القاحلة في سيمفونية متناغمة تعزف على وتر الإخاء، وتضرب على طبلة نبذ الفُرقة والشتات، وتتمايل على أنغام البذل والعطاء؛ رغبة وعزيمة من المؤسس ورجاله -عليهم شآبيب الرحمة- في تغيير هذا الواقع المرير إلى واحة ترفرف على جنباتها ينابيع المحبة، وتسقيها شلالات التضحية والتعاون من أجل تشكيل هذه الكينونة التي بدأت تلوح ملامحها في الآفاق. إن ثمانين عاماً إطار زمني محدود إذا ما قيس بالمنجز المتحقق على الأرض؛ فالمتتبع الموضوعي لما بلغته بلادنا من مكانة في محيطها الإقليمي، ودور إيجابي وفاعل على المستوى الدولي، ناهيك عن الخطوات العملاقة محلياً في مجتمع تعلو فيه النعرات والعصبية القبلية على لغة العقل، وتستبد به لغة الأنا، وتدفعه حب السيطرة العمياء على كل شيء دون أن يُحقق أي شيء، يحسم المقارنة -حتماً- لهذه الدولة الفتية التي استطاعت أن تطوّع الزمن، وتسابق الإرادة، وتتعاظم التنمية المستدامة على أرضها الخصبة. وهذا يقودني إلى أن قيام دولة بهذه المواصفات هي معجزة غيرت وجه الحياة في الصحراء، ولكن وكما يُقال: إذا عُرف السبب بطل العجب، فالنية الصادقة للمؤسس في بناء دولة ممنهجة على أساس من الدين كانت عاملاً مهماً في مرحلة التأسيس الأولى التي كانت ولا زالت منطلقاً للمراحل التالية وفق الرؤية التي صممها المؤسس وأصبحت نبراساً لإنسان هذه الأرض حتى وقتنا الحاضر. هذه الاحتفائية لها رونقها الجذاب -في كل عام- لأنها تعيدنا إلى حقبة زمنية واجه فيها صُنَّاع التاريخ السعودي الحديث سلسلة من المصاعب والعثرات في طريق رسمهم لخارطة الوطن الحلم؛ الذي لم يكن واقعاً يعيشونه بقدر ما استشرفته عزائم الرجال وهمم الأبطال الذين أبوا إلا أن يكون واقعاً متميزاً كما هي طموحاتهم.