بعد نشر مقالتي عن أمهات المؤمنين والاعلام الطائفي، وردني العديد من الرسائل الغاضبة على بريدي الالكتروني، بعضها مهددة متوعدة من طرفي هذا الاعلام المشوه الذي يحرض على فتن نحن في غنى عنها، من الغلاة في الطرف الشيعي المؤيدين لما قام به هذا القابع في لندن يحترف الشتم واللعن لخير البشر من أمهات المؤمنين والصحب الكرام، ويحتفل بذلك على مرأى ومسمع من العالم، ويتخذ من أم المؤمنين عائشة بنت الصديق، المبرأة العرض من فوق سبع سمواتٍ، وزوج النبي الحبيب - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمنا إن كنا مؤمنين حقاً، فقد نص على ذلك الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه نموذجاً وحتما ً من يقدح فيها فإنما يقدح في ايمانه، ورأى هؤلاء بزعمهم أني انحزت إلى الطرف الآخر ممن يدعون أنهم يناصبونهم العداء، من أهل السنة وينسون أني انتمى إليهم فخوراً بهم، وإخواني من بعض المنتمين من أهل السنة لم يعجبهم أن ادعو إلى ترك هذا الجدل العقيم غير المجدي، الذي مضى عليه قروناً ولم يغير شيئا يذكر، ولم يورث سوى البغضاء والكراهية، التي يزيد اشتعال أوارها الغلاة من الطرفين، وأما صون الدين وحمايته فطريقة الإيمان الراسخ به والعمل بأحكامه، وإنما أراد الغلاة أن تقع الفتن في أرض المسلمين، وهي قد اتخمت بها منذ زمن ليس باليسير، وأحالها في كثير من الاحيان كوارث، كلما خمدت فتنة اشعلوا أخرى، ليبقى المسلمون إلى الابد يتقاتلون، ولا يبنون للحياة في أرضهم ساحة تزدهر، يتقدم العالم من حولهم، وهم لا يزالون يستعيدون حروباً فكرية وأخرى عسكرية نشأت لأسباب ليس من بينها الدين حتماً، فالسياسة التي نشأت في ظلها لم تهتد حتى اليوم لطريق نجاة منها، ولن تستطيع ان تنجو، إلا ان تقلع عن العودة إلى احداث زمان مضى، اختلف أهله ثم مضوا إلى ربهم، وهم اليوم عنده وسيفصل بينهم يوم القيامة، فلم يوكل قط لأحد من خلقه ان يفصل بينهم لا في هذه الحياة، ولا في الحياة الاخرى يوم النشور، وقد اختلفوا حينا وتقاتلوا حيناً، ولم يجرؤ أحد منهم أن يقول في الآخر ما يقوله غلاة المتطرفين فيهم، اليوم، صانوا ألسنتهم عن ذلك ولم يصنها هؤلاء ولعل الله قد غفر لهم وتجاوز عنهم، وما اجمل ان نقول: تلك حروب لم نلطخ ايدينا بالدماء فيها، فهلا كففنا ألسنتنا عن الخوض فيها، فالخوض فيها على مر الزمان لم يحدث سوى مزيد من الفرقة، وأدى في احيانٍ كثيرة إلى اقتتال بقيت مراراته على مرِّ السنين، ولم تنسه الاجيال المتعاقبة حتى اليوم، إن دعوة العقلاء أن نصون الاسلام عن اهوائنا الموردة لنا إلى الهلاك، وأن نتعايش في ظل وطن نعيش على أرضه، يحفظ كل منا للآخر حقوق المواطنة هو الحل، وليس من الضرورة ان يكون بيننا اتفاق في كل شيء مما انطوت عليه النفوس والعقول، فذاك هو المستحيل الذي لم يحصل لمن كان قبلنا، ولن يحصل لمن يأتي بعدنا، ودعونا دوماً ندعو إلى ترك ما يجرح الذوق السليم من السباب والشتائم، وما يلحق ذلك من التكفير والتبديع والتفسيق أياً كان مصدره، ومن أي الطوائف صدر، فهو لا يعين على إقامة حق ولا دفع باطل، والذين ملأوا الكتب بمثل هذا واستنزلوا على بعضهم اللعنات لم ينتصر أحد منهم على الآخر، وابقوا على مرِّ الأيام مرارة لم يمحها الزمن، وما أن يكشف عنها وتعلن حتى تثير الفتن، إن الحق - قومي - لا يدعو إليه عاقل بما هو باطل متفق على بطلانه من هذا كله، فلا السباب ولا الشتائم واللعن،، ولا التكفير والتشريك ولا التبديع والتفسيق على مر الزمان صنع للمسلمين حقاً أو ازال عنهم باطلاً وإنما أثار النفوس فاشتعلت بالاحقاد والبغضاء، وقاد هذا الى الفتن، التي هي كقطع الليل المظلم تتابع، ويقتل فيها المسلم أخاه بدم بارد، وكل منهما يعتقد انه على الحق، فإن قتل فهو إلى الجنة، وان قتل خصمه فهو إلى النار وسوء المصير، وحتما الإسلام الذي نعتقده ليس هو من صنع هذا كله، وإنما صنعه هوى النفس المتبع، والنفوس الأمارة بالسوء التي لم يوفق اصحابها في ردعها عن الشرور، وهؤلاء هم الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، ويخوضون حرباً ضروساً على منابر المساجد والحسينيات وعبر الفضائيات، ويضعون خير الخلق في مواجهة بعضهم بعضاً فاطمة بضعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعائشة زوجه رضي الله عنهما وارضاهما وما كانت قط في خصومة، وسيدنا علي بن ابي طالب ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -وزوج ابنته وخليفته، وسيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا عثمان بن عفان خلفاء رسول الله - عليه الصلاة والسلام - وصحبه واصهاره ما كانوا قط أعداء، جميعهم حب سيدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وكانوا بعده أئمة الهدى، الذين يقتدى بهم، ولن يبلغ أحد من المختلفين عليهم قدر أناملهم، فلماذا نجعل الابرار سبباً للخلاف المدمر، اللهم ربي صلى على سيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى آله الطيبين الطاهرين، الذين محبتهم فرض في دين الله، وعلى صحبه البررة وخيرهم خلفاؤه الاعلام، واعدنا ربنا إلى الحق، الذين نحمي به ديننا ثم وطننا انك سميع مجيب، ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]