* وانتهى رمضان الشهر الذي يجعله كثير منا شهر تعبد وصلاة وقيام، بل يصل الأمر بهذا الكثير إلى النقاء والطهر في كل تعاملاتهم الحياتية، وهم دائمًا ما يرددون «اللهم إني صائم»، «هذا شهر إحسان وعفو وغفران» إلى آخر المصطلحات والجمل الدينية المعبّرة والمؤثّرة. * ولكن ما إن ينتهي الشهر إلاَّ وتعود «حليمة إلى عادتها القديمة» فيعود البعض إلى روحه المتجبرة التي لا ترعى حال ضعيف، أو حاجة مسكين، أو حقًا لغيره فيأكل أموال هذا، ويظلم ذاك، ويتعالى على آخر، وهكذا دواليك. وكأن الفضائل والقيم الإنسانية والتي يحث عليها الإسلام خاصة بشهر رمضان فقط لا غير. * والعجب أن كثيرين أيضًا يصرفون أوقاتًا كبيرة للعبادة في شهر رمضان، فيحرصون على صلاة القيام والتهجد، وكأنهما فرض.. وهذا أمر مستحب وجميل، ولكن وبمجرد انتهاء الشهر يعودون إلى سيرتهم الأولى، وكأنه «لم يكن بمكة سامر» فقليل ما يؤدون حق الله والالتزام بالطاعات، بل البعض منهم يراها تخلفًا ورجعية لا تليق بالمتحضرين والمتنورين. * هكذا حال ليس سوى صورة لازدواج الشخصية التي تعنون معظم أبناء مجتمعنا السعودي. فالدين لديهم ليس سوى تقليد ومظاهر مجتمعية سعيًا لكسب الثناء والمباهاة، وحتى لا أُتَّهم من قِبل البعض أقول كمثال إنَّ فهمنا للدِّين قاصر جدًا، حيث نترك جوهره ونتمسك بمظاهره وشعائره المعلنة، من ذلك على سبيل المثال: تسابق كثيرين للحاق بصلاة القيام والتهجد، في الوقت الذي لا يلحقون الإمام في صلاة العشاء حين يأتون متأخرين إلى المساجد، وقد انتهت صلاة العشاء الأصلية مع الإمام. فهل الحرص على السنة والنافلة أهم دينيًّا وسلوكيًّا من الحرص على الفرض والواجب؟ * ازدواجية الشخصية هذه جعلت معظم أبناء مجتمعنا السعودي لا يفرقون كثيرًا بين الأولويات، وما هو مهم من الأهم. فالصلاة في نظرهم والشعائر التعبدية الأخرى من صيام وزكاة وحج كافية كعنوان إيماني كامل للمسلم التقي الورع، بينما هم في ذات الوقت يضربون عرض الحائط بأهم جوانب الدِّين الحياتية والتي جعلها المولى سبحانه وتعالى من اقتصاص الناس يوم التخاصم والحساب الأكبر ألا وهو المعاملات. * الإسلام لم يكن أبدًا دينًا تعبديًّا شعائريًّا فقط، وإلاِّ لكان حث على الرهبنة، بل هو منهج حياة وهذا يعني أن المعاملات لها أكبر جزء من تعاليمه للرغبة في إقامة مجتمع مسلم إنساني في كل سلوكياته وتصرفاته، لا يظلم فيه أحدٌ أحدًا، ولا يأكل فيه فردٌ مالَ آخر، أو يسلبه حقوقه. * الشعائر التعبدية هي بين العبد وربه إن شاء غفر له، وإن شاء حاسبه، أما التعاملات بين العبد والآخر فالحق سبحانه وتعالى وبنصوص القرآن والأحاديث النبوية الشريفة يقتصها المظلوم من الظالم، حتى وإن وصلت إلى أخذ كل حسنات الظالم، وهكذا هو الإسلام دين حياة، ومنهج لتنظيم العلاقات البشرية بما يحقق للجميع عدلاً لا يفرق بين كبير وصغير أو غني وفقير. فاكس 6718388 – جدة[email protected]