رغم أن المسلسل التلفزيوني الذي يُعرض في رمضان (زهرة وأزواجها الخمسة) لا يجوز تصنيفه خارج إطار ما يمكن أن نطلق عليه (النكتة الدرامية)، فإن العمل لاقى نجاحًا جماهيريًّا كبيرًا، وتفاعل معه الكثير من الناس، وصدّقوا أحداثه الأقرب إلى تخاريف السيدات العواجيز منها إلى الخرافة نفسها! طيّار تسقط طائرته في عرض البحر، وينجو وحده بعد مقتل جميع الركاب، وفقدان للذاكرة، وامرأة تتزوج من ثلاثة رجال في نفس الوقت دون علمها، ورجل مستسلم لحالة فقدان الذاكرة، رغم مصادفته لأشخاص يمكنهم مساعدته... إلخ... إلخ! كيف يُصدّق الجمهور العربي كل هذا الهراء؟ وكيف يتقبل هذه المحاولة الصفيقة لخداعه، والكذب عليه، والاستخفاف بعقله؟! هذان السؤالان ظلا يراودانني كلّما كنتُ أتابع حلقة من حلقات هذه النكتة الدرامية (البايخة). المسألة بالتأكيد لا تتعلّق بذكاء، أو بغباء الإنسان العربي، وإنما بقابليته للوقوع في حبائل الكذب والفبركات التي تصل إلى حد الضحك على الذقون والشوارب، بل والحواجب أيضًا. الإنسان العربي يتنفس الكذب منذ أن يفيق من نومه، إلى أن يذهب إلى سريره ليلاً. المسؤول يكذب على المواطنين من خلال التصريحات الإعلامية المفضوحة، والموظف يكذب على المراجعين، والكاتب يكذب على قرّائه، والمرؤوس يكذب على رئيسه، والمذيعة تكذب على مشاهديها ومستمعيها، والتاجر يكذب على الزبون... إلخ... إلخ! كذب.. كذب.. كذب.. إنه مناخ عام يسوده الكذب، ويحيط به من كل الاتجاهات. ولو أراد المرء أن يدقق، ويمحّك، ويتحقق، فإنه لن يتمكن من العيش أبدًا. إنه مضطر للتعايش مع الكذب، وإلاّ فإن الجنون سيكون مصيره الوحيد. وما متابعة الإنسان العربي للمسلسلات التلفزيونية الخالية من مقومات الدراما، إلاّ تمرين بسيط للتعايش مع مناخ الكذب السائد في كل مجالات الحياة. على الأقل فإن الدراما التلفزيونية هي الشيء الوحيد الذي يضفي على الكذب صفة الترفيه، لا صفة الغم والنكد. لا أظن أن كذب الحاجة زهرة رغم صفاقته، سيكون الأثقل في ميزان الكذب العربي.